هل يتحوّل الرئيس عون إلى… ‘إميل لحود’ ثانٍ؟!

13 أغسطس 2020
هل يتحوّل الرئيس عون إلى… ‘إميل لحود’ ثانٍ؟!

منذ وصوله إلى قصر بعبدا، سعى مؤيّدو الرئيس ميشال عون إلى تصويره “فريداً” بين رؤساء الجمهورية المتعاقبين منذ الطائف، وهو ما تجلّى بوضوح من خلال شعار “الرئيس القويّ” الذي تبنّاه، في مقابل من سبقوه من رؤساء لطالما وصفهم بـ “الرماديّين”، الذين “لا طعم ولا لون لهم”، كما كان يقول.

لا شكّ في أنّ نقاط “قوة” كثيرة جعلت عون مختلفاً عمّن سبقوه، فهو قد يكون الرئيس الوحيد الذي أتى حاملاً معه “حيثيّة” سياسيّة لا غبار حولها، وهو الذي كان رئيساً لتيار سياسيّ أساسيّ، لا نقاش حول “شعبيّته”، هو “التيار الوطني الحر”، فضلاً عن كونه رئيساً لتكتّلٍ نيابيّ كان الأكبر حجماً على المستوى المسيحيّ، في مجلس النواب.

ولعلّ ما عزّز نقاط “قوّته” تمثّل في “التأييد” الواسع الذي استطاع حشده حوله، والذي بدا عابراً للأحزاب والطوائف، ولو أنّ كثيرين ينتقدون ما يعتبرونها طرقاً “غير مشروعة” اعتمدها عون في سبيل “فرض” نفسه مرشّحاً وحيداً للرئاسة في مقابل “الفراغ”، ولا شيء غيره، وذلك عبر “تعطيل” الجلسات المفترضة لانتخاب الرئيس، بالتكافل والتضامن مع حليفه “حزب الله”.

 
كلّ شيءٍ تغيّر!
مع وصوله إلى القصر الرئاسي، فرض الرئيس عون “هيبته”، مستخدماً بين الفينة والأخرى، ما قال إنّها “صلاحيّات” لم يسبقه عليها أحد، قبل أن تبدأ صورته “القوية” هذه بـ “التلاشي” شيئاً فشيئاً، خصوصاً بعد “تجميد” مفعول العديد من “التفاهمات” التي وصل عبرها إلى الرئاسة، سواء مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أو رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وغيرهما.

وإذا كان جعجع والحريري حاولا في فترةٍ من الفترات “حصر” صراعهما مع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، و”تحييد” عون عنه، ولو أنّ الأخير كان “يفوّض” كلّ شيءٍ لباسيل، ويحيلهما إليه عند كلّ اختلافٍ أو تجاذب، فإنّ “انفجار المرفأ” الذي حصل أخيراً بدا “نقطة مفصليّة”، وضعت حدّاً لكلّ “الخطوط الحمر” التي نُسِجت سابقاً، وحوّلت عون إلى “مرمى النار” بشكلٍ مباشرٍ، وبطريقةٍ غير مسبوقة.

ولعلّ الاتهامات المباشرة التي وجّهها جعجع بالأمس إلى عون، على خلفيّة قوله إنّه كان “على علمٍ” بنترات الأمونيوم في المرفأ، لكن “لا صلاحيّة” لديه للتدخّل، “مع أنّه كان يتدخّل في تعيين أصغر موظّف”، على حدّ قول جعجع، خير دليلٍ على هذا “التغيير” في المقاربة، الذي يأتي للمفارقة، بعد كلامٍ أكثر وضوحاً وتعبيراً صدر قبل أيام عن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي لم يتردّد في رفع مطلب “استقالة” الرئيس، ولو أقرنه بطلب “غطاء” البطريركية المارونية.

عون ليس لحود؟!

ما قاله جنبلاط في هذا السياق، أعاد إلى الأذهان فوراً تجربة الرئيس السابق إميل لحود، و”العزلة” التي عاناها في الفترة الأخيرة من عهده، وتحديداً في مرحلة ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وهي مرحلةٌ بات كثيرون يشبّهونها بالمرحلة الحالية التي فرضها “زلزال” انفجار المرفأ، وتداعياته التي لا يُتوقَّع أن تنتهي فصولاً في وقتٍ قريب.

وإذا كانت “الحملات” التي انطلقت داخلياً وخارجياً على الرئيس عون، وصولاً إلى حدّ طلب بعض النواب، كالنائب مروان حمادة، محاكمته بتهمة “الخيانة العُظمى وخرق الدستور”، توحي بـ “تقاربٍ” مع ما كان يتعرّض له الرئيس لحود من “حملات”، وسط “ترجيحات” بأن يكرّر البطريرك الماروني بشارة الراعي موقف سلفه الراحل نصرالله صفير “دفاعاً عن موقع الرئاسة”، فإنّ وقائع ومعطيات عديدة توحي بأنّ هذا “التشابه” سيبقى “محدوداً”، لاختلافات “جوهرية”.

وقد يكون أول هذه “الاختلافات” أنّ “عون ليس لحود”، كما تؤكد أوساط “التيار الوطني الحر”، التي تبدو “مطمئنّة” إلى أنّ “العهد سيمضي إلى الأمام، مهما كثُر المُغرِضون”، بل تضع الحملات في سياق “رشق الشجرة المثمرة”. وإذ تشير إلى أنّ جهد الرئيس سيكون منصبّاً في ما بقي من عهده على محاربة الفساد، وما “تعهّده” بمتابعة التحقيق الجنائي حتى النهاية سوى الدليل الأسطع، تشدّد على أنّ “تجاوزه”، سواء في الحسابات الداخلية أو الخارجية، كما كان يحصل مع لحود، “غير وارد”، لا اليوم ولا غداً، وهو ما يدركه الجميع أصلاً.

“عون ليس لحود”، تقول أوساط “التيار الوطني الحر”، ليس من باب “الانتقاص” من الرئيس السابق، ولكن من باب الإضاءة على “حيثيّة” الرئيس الحاليّ، والتي تمنحه “تفوّقاً” على أسلافه، “تفوّقٌ” لا ينكره “الخصوم”، لكنّهم يعتبرونه مصدر “الخيبة”، باعتبار أنّ الرجل لم يكن على قدر التوقّعات والآمال. وبين هؤلاء وأولئك، تشير كلّ المُعطيات إلى أنّ الصراع سيبقى في “حدوده” المرسومة، وإن اشتدّ “كلاميّاً” بين الفينة والأخرى.