التجاذبات الحكومية في بداياتها… الاستشارات مؤجلة بانتظار وضوح الرؤية وهيل وظريف معاً في بيروت

14 أغسطس 2020
التجاذبات الحكومية في بداياتها… الاستشارات مؤجلة بانتظار وضوح الرؤية وهيل وظريف معاً في بيروت

على الرغم من مرور ثلاثة أيام على استقالة الحكومة، الاّ ان المشاورات التي تجري في الكواليس وفي العلن، لم تشي حتى الساعة عن وجود بوادر ايجابية حول امكانية الاتفاق على شكل واسم رئيس الحكومة العتيد. فعلى الرغم من الأحداث الاستثنائية التي تعيشها البلاد، سواء بعد زلزال 4 آب واستمرار تفشي وباء كورونا وسط ظروف صحية واجتماعية على قدر عالٍ من الخطورة والسوء، لم تنجح محركات التكليف العاملة على سرعة قصوى محلياً ودولياً في بلورة تفاهم محلي برعاية إقليمية ودولية على اسم الشخصية التي ستتولى المهمة الانتحارية في اخراج البلاد من كارثتها.

لا يفوت اي مسؤول دولي زار لبنان اخيرا او تواصل مع مسؤول او زعيم اي فرصة لإبلاغ المقاربة الدولية الجديدة تجاه لبنان والتي تختصر بثابتتن: لا اعتراف بشرعية السلطة القائمة، ولا استعداد للتعامل معها حتى في ظل الكارثة الاخيرة. وقد تُرجم ذلك بإعلان واضح وصريح عن دعم الشعب اللبناني وتوفير المساعدات له حصراً عبر المنظمات الانسانية، وليس عبر المؤسسات الرسمية. وهذا في ذاته اعلان افلاس للدولة برموزها ومؤسساتها واجهزتها.

اما الثابتة الثانية فهي تتمثل بوضع المجتمع الدولي يده على الملف اللبناني، وسحبه من يد طهران، او على الاقل تقاسمه معها، بعدما تبين ان الوصاية التي تمتع بها محور الممانعة على البلد قد عجزت عن ادارته، وأدت الى تحلله تحت ضغط العزلة والعقوبات.

هذا وأكدت مصادر سياسية رفيعة لـ”نداء الوطن” أنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة “جس نبض” باعتبار أنّ “المياه لا تزال عكرة” ويصعب من خلالها استكشاف أعماق المشهد بوضوح، متوقعةً أن يحتاج صفاء الصورة بضعة أيام إضافية لاتضاح آفاق المسار الحكومي.

بعبدا متريثة
أما الأجواء السائدة في قصر بعبدا فتشي بأنّ رئيس الجمهورية يخوض في تقصي آفاق الدعم الأميركي للمسعى الفرنسي، ويمنّي النفس، كما مختلف قوى 8 آذار، بأن يؤمّن تزامن زيارتي وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف ومساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت، تقاطعاً إيرانياً – أميركياً ضامناً وراعياً لأجندة التفاوض الحكومي. وهذا ما بدا من تسريبات قصر بعبدا أمس التي ركزت على أهمية ومعاني تزامن الزيارتين ووجوب ترقب انعكاسات ذلك على الساحة اللبنانية، بينما جددت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية التأكيد لـ”نداء الوطن” على أنه حتى الساعة “لا يزال من المبكر الحديث عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة قبل انتهاء المشاورات وتحديد التوجهات لدى الفرقاء بحيث لا تأتي الاستشارات لتعمّق الأزمة إنما لتسرّع في انتاج صيغة حلها”.

ورداً على سؤال، أجابت المصادر: “يبدو راهناً أنّ هناك رعاية وضمانات دولية لإنهاء الأزمة السياسية وانعكاساتها الاقتصادية والمالية، وهذا تطور على طريق إنهاء الأزمة في لبنان”، مشددةً في ما يتصل بمقاربة عون للملف الحكومي على أنّ “الظرف الراهن يفرض أن تكون الحكومة العتيدة أكثر تمثيلاً لأكبر عدد من الفرقاء والمكونات السياسية والنيابية، في حين أنّ الخيارات المطروحة سواءً لجهة كونها حكومة وحدة وطنية أو حكومة أقطاب يتم الاتفاق عليه لاحقاً”.

هيل وظريف في بيروت
وسط هذه الأجواء، كان لافتاً زيارة وكيل الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل في وقت وصل وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف بيروت. وفي حين سيوضح هيل استعداد بلاده لدعم أي حكومة تعكس إرادة الشعب و”ملتزمة حقا” ببرنامج الإصلاح، قالت مصادر على اطلاع لـ”اللواء” ان الوزير ظريف سيؤكد على جملة من المواقف المتعلقة بصيغة حكومة يتمثل فيها حزب الله والحفاظ على دور مجلس النواب، والصيغة القائمة مع شمولها لتضم أطرافاً سياسية أخرى. 

الحكومة تراوح مكانها 
في هذا الوقت، لا تزال حركة المشاورات  تدور في نطاق محدود لاستكشاف مواقف الاطراف في ضوء ماطرحه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من افكار ولكن من دون اتخاذ مواقف محددة ونهائية، بحسب ما اشارت مصادر متابعة للاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، لافتة الى ان كان بالنسبة لاسم رئيس الحكومة المرتقب او مكونات الحكومة الجديدة في إنتظار الاطلاع على الموقف الاميركي الذي يحمله الموفد الاميركي دايفيد هيل الى كبار المسؤولين والزعماء السياسيين اليوم ورؤية حكومته لمعالجة الأوضاع في لبنان، اضافة الى استكشاف مايحمله وزير الخارجية الايراني  من توجهات إيرانية بهذا الخصوص .

وتوقعت المصادر ان تبقى مشاورات واتصالات التشكيل على حالها في إنتظار صدور حكم المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الجلسة المرتقبة التي تعقدها يوم الثلاثاء المقبل في الثامن عشر من شهر اب الجاري والمتوقع ان يحضرها الرئيس سعد الحريري .وبعد ذلك يتوقع ان تتسارع الإتصالات والمشاورات لتشكيل الحكومة قبيل عودة الرئيس الفرنسي الى لبنان في الاول من شهر أيلول المقبل كما اعلن او الوصول إلى تصور متكامل بين كل الاطراف السياسيين للتشاور فيه مع الرئيس ماكرون قبل الاعلان عن تشكيل الحكومة. واعتبرت المصادر ان المشاورات التي جرت بشكل ثنائي وغير موسع وصلت الى تصور مفاده ان الازمة التي يواجهها لبنان حاليا هي أزمة متعددة الجوانب ويطغى عليها الشق المالي والاقتصادي الى الجانب السياسي، وبالتالي يتطلب حلها تسمية شخصية لرئاسة الحكومة تتمتع بمواصفات التعامل معها والقدرة على إيجاد الحلول المطلوبة بالسرعة اللازمة لأن التأخير دون طائل  سيترتب عنه تداعيات سلبية لا يمكن التكهن بنتائجها.

ولاحظت المصادر المذكورة ان هناك قناعة لدى معظم الاطراف بأن الشخصية التي يمكن ان تقارب المشكلة القائمة بجوانبها السياسية والمالية والاقتصادية في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة من ضمن الأسماء المتداولة هو الرئيس الحريري الذي تربطه علاقات جيدة مع الدول العربية الشقيقة وفي مقدمتها الدول الخليجية والدول الصديقة بالعالم ويتمتع بمصداقية بالداخل في الوقت نفسه ،في الوقت الذي يفتقد فيه المرشحون الاخرون لمثل هذه المواصفات المطلوبة، وبالتالي تصبح قدرة اي منهم لحل الازمة محدودة ولا تفي بالمطلوب. وخلصت المصادر الى القول ان قدرة الحكومة الجديدة في وضع مقاربة جدية وسريعة لحل الازمة المالية والاقتصادية ستعطي إشارات إيجابية سريعة للداخل والخارج معا وستؤدي الى تنفيس جزء من حالة الاحتقان والتذمر والنقمة الداخلية لان لب المشكلة هو مالي واقتصادي ولا بد من تاليف حكومة تعرف كيف تقارب وتضع الحلول المطلوبة لها.

وقال مصدر سياسي بارز في لبنان “منذ أن جاء إلى هنا، يتصرف ماكرون وكأنه رئيس لبنان الآن”، مشيرا إلى أنه يجري بنفسه اتصالات بالأحزاب والطوائف المختلفة في البلاد إضافة لقوى أجنبية.

وتابع المصدر قائلا “وهذا ليس بالأمر السيء لأنه ليس هناك أحد اليوم للعب هذا الدور داخليا. فلا أحد يثق في أحد”.

وصول الحريري دونه عقبات
وقال مصدر حكومي لبناني إن ماكرون يريد أن يتولى رئيس الوزراء السابق سعد الحريري رئاسة حكومة تكنوقراط لكن الرئيس ميشال عون والأحزاب المسيحية في البلاد يعارضون ذلك الاقتراح.

ورغم طابع العجلة الذي يستدعي مبادرة رئيس الجمهورية الى تحديد موعد قريب للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تأليف الحكومة، ففد تم التفاهم بين القوى المحلية على الا يتم تحديد اي موعد قبل ان يتم التوصل على الرئيس الذي سيسمى، بحسب “النهار”.

أما في الكواليس السياسية، فان التسوية لعودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، يتم التسويق لها من الثنائي الشيعي الذي يرى في الحريري في السلطة، فكاً للعزلة وتقليصاً للعقوبات وتخفيفاً من ارتدادات حكم المحكمة. تأتي في الدرجة الثانية فرنسا التي ترى في الحريري حليفاً قادرا على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لتحرير أموال “سيدر”، ( وللشركات الفرنسية مصلحة في ذلك).

في هذا السياق، يُنقل عن زعيم ” المردة” سليمان فرنجية قوله انه لا يمانع عودة الحريري ولكن بشرطين، ان تُعطى حكومته صلاحيات استثنائية، وان تطلق يده في الوزارات الاساسية التي تحتاج الى ارساء الاصلاحات فيها تمهيدا لوصول المساعدات، والشرط الثاني تطمين “حزب الله” الى الوزارات الحساسة بالنسبة اليه. في المقابل، لا يزال اسم الحريري يواجه تحفظاً خليجياً، واميركياً، في حين ان التحفظات الداخلية للقوات اللبنانية قابلة للاحتواء بحسب ما يردد مسؤول غير لبناني كان له جولة على القيادات السياسية اخيراً.

وعليه، فإن العمل جارٍ الآن على تذليل العقبات من امام اسم الحريري، علماً ان كلام وكيل وزارة الخارجية الاميركية ديفيد هيل عن حكومة تلبي تطلعات الشعب اللبناني، لا يشي بأن الطريق باتت معبدة امام الحريري للعودة الى السرايا، قبل ان يتضح ثمن التسوية الاميركية- الإيرانية وموقع “حزب الله” فيها.  

موقف جنبلاط غير واضح
أما على مقلب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط فهو يبدو متأنياً في خطواته بانتظار انقشاع الرؤية الضبابية في أكثر من اتجاه، داخلي وخارجي، بغية حسم اتجاهاته، وهو آثر التريث في زيارة قصر بعبدا لكي تكون مبنية على أرضية واضحة من المعطيات والتقاطعات. وفي هذا الإطار علمت “نداء الوطن” أنّ جنبلاط تلقف بإيجابية مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون أمس إلى الاتصال به وأبدى تجاوباً مع رغبة الأخير بالتواصل معه واللقاء به، غير أنه لم يحسم توقيت الزيارة واكتفى بالقول: “منشوف”، سواءً في معرض تأكيده لعون على أهمية الانفتاح والتواصل بينهما، أو في سياق ما أعاد التشديد عليه خلال الاتصال الهاتفي الذي تلقاه لاحقاً من النائب فريد البستاني لإعادة التأكيد على مضمون اتصال رئيس الجمهورية وحثه على زيارة بعبدا، بحيث أجابه جنبلاط: “أكيد ما بقول لأ، بس خليني شوف إيمتى”، مذكّراً بالظروف والانشغالات الضاغطة التي فرضتها المستجدات على البلد.

ولا يزال جنبلاط بحسب مطادر مطلعة على موقفه “متمسكاً بشرطين أساسيين في مقاربة ملف تشكيل الحكومة العتيدة، الأول ألا تكون في ترجمتها للمفهوم التكنوقراطي على شاكلة حكومة دياب، والشرط الثاني ألا تكون في مفهومها السياسي على نسق حكومات ما قبل 17 تشرين الأول، بمعنى أنها إذا كانت حكومة يرأسها سعد الحريري ألا تكون مكبلة في تركيبتها ومحاصرة من داخلها كما كان سائداً في المراحل السابقة، بل يجب أن تأتي بناءً على تفاهمات وضمانات صلبة وأكيدة تتيح لها الإنجاز الفعلي والإصلاح الحقيقي”.