بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “مر أسبوعان تقريبا على الزلزال الأليم الذي حل بعاصمتنا الحبيبة بيروت، وحصد الكثير مما نحب فيها، بشرا وحجرا. أسبوعان واللبنانيون مصدومون، حزانى، ثكالى، يتامى، يلملمون جراحهم الجسدية والنفسية، هم الذين لم يتخطوا بعد الضائقة الاقتصادية والصحية، وها هم الآن خسروا ما تبقى لديهم، خسروا منازلهم، شردوا، جاعوا فوق جوعهم، وكأننا نحيا ما قاله النبي داود في سفر المزامير: وعلى وجع جراحي زادوا (69: 26). المزمور التاسع والستون، المملوء كلاما يفيض ألما، يسبقه مزمور تعرفونه جيدا يقول: ليقم الله ويتبدد جميع أعدائه، ويهرب مبغضوه من أمام وجهه. كما يباد الدخان يبادون، وكما يذوب الشمع من أمام وجه النار، يبيد الأشرار أمام الله، والصديقون يفرحون، يبتهجون أمام الله ويتهللون بالسرور (68: 1-3)”.
أضاف: “أبنائي البيروتيين، لا تخافوا، لأن القيامة لا بد آتية بعد كل الآلام التي كابدتموها، وكما يقول سفر الرؤيا: سيمسح الله كل دمعة من عيونكم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد (21: 4). اليوم يقول الرب لكل واحد منا، على لسان إشعياء النبي: لا تخف لأني معك. لا تتلفت لأني إلهك. قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيميني. إنه يخزى ويخجل جميع المغتاظين عليك. يكون كلا شيء مخاصموك ويبيدون. تفتش على منازعيك ولا تجدهم. يكون محاربوك كلا شيء وكالعدم. لأني أنا الرب إلهك الممسك بيمينك، القائل لك: لا تخف، أنا أعينك (41: 10-13)”.
وتابع: “أحبائي، أعلم أن الثقة بالحكام والمسؤولين انعدمت لدى الكثيرين، إنما لا يموت بلد فيه المحبة العظمى التي تتجلى من خلال كل شاب وشابة، من خلال كل مواطن لم يصبه الأذى، نزل إلى أرض الفاجعة ليساعد أخاه الإنسان، ويبلسم جراحه النفسية قبل الجسدية. المحبة تجلت من خلال كل طبيب وممرض، من خلال كل تاجر، ولو كانوا قلة، لم يستغل آلام الشعب ليزيد العبء ثقلا. التعاضد الذي عايناه لدى أبناء وطننا يعطينا أملا بغد أفضل، يؤسس له شبابنا بتفانيهم، فيما شهوة السلطة والمال تعمي بصر وبصائر المسؤولين”.
وقال: “يا حكام بلادنا ويا أيها المسؤولون، أذكركم بإلهنا المصلوب، الذي افتدى شعبه بدمه، مات هو لكي يرث الشعب الحياة وينال القيامة. اتعظوا، حتى لو كنتم لا تؤمنون به، تعلموا منه، فهو الوديع والمتواضع القلب، هو الطريق والحق والحياة، أما أنتم فقد جعلتم الموت يدخل على أبناء بلدكم وهم جالسون في طمأنينة بيوتهم، يرتاحون من شقاء يومهم، الشقاء الذي رميتموه على عاتقهم، بدل أن تمنحوهم الكرامة اللائقة بشعب مات وقام مئات المرات ولا يزال يجاهد ليقوم مئات أخرى. هنا لا بد من تنبيه أبنائنا كي لا يقعوا ضحية المتمولين وسماسرة العقارات المنقضين على أرزاق الناس، الذين يستغلون المصيبة التي حلت بهم ويستفيدون من ضيق عيشهم ليغروهم بالمال مقابل بيوتهم. هؤلاء الأغنياء جدا قد اعتادوا القيام بهذا الأمر ويستغلون الفقراء والمنكوبين في أيام الشدة بإرسالهم شبابا ليغروا هؤلاء المصابين بالمال الوفير، لكنهم لا يعلمون أن الشر لا يخفى. هؤلاء لا ضمير يؤنبهم ولا رادع أخلاقيا يحد من جشعهم. لذلك أطلب من جميع أبنائنا في الأشرفية وجوارها عدم الوقوع في فخهم، والصمود في منازلهم، وعدم التنازل عنها مقابل المال، وسوف نتعاون جميعا للخروج من هذه التجربة، بمعونة الله وقوة إيماننا”.
أضاف: “عيدنا أمس لرقاد والدة الإله الفائقة القداسة مريم. عاينت والدة الإله آلام ابنها، وموته. تألمت وبكت ككل أم خطف منها ابنها ظلما، خصوصا في الكارثة الأخيرة التي حلت بنا. لكن، لنتذكر ما نرتل في خدمة جناز المسيح، حيث يقول الرب يسوع لوالدته: لا تنوحي علي يا أمي إذا شاهدتني في قبر، لأني سأقوم وأتمجد، وأعلي مشرفا كل الذين يعظمونك. بعد الآلام عاينت والدة الإله العذراء قيامة ابنها. كل أم خسرت ابنها اليوم سوف تعاينه قائما بالرجاء والإيمان بالقيامة العامة. وبلدنا سيقوم من كبوته، وستزهر الأرض التي سقيت بالدماء النقية”.
وتابع: “في هذه الأيام العصيبة لا يمكننا إلا أن نشاطر حزن الأزواج الذين فقدوا رفاق دربهم، والأطفال الذين خسروا أعمدة حياتهم، أي والديهم، والأهل الذين حملوا أطفالهم بين أيديهم فاقدي النسمة. أيضا، لا يمكننا ألا نشكر الله من جهة كل شخص لا يزال حيا رغم فظاعة الإنفجار. لا بد أن نشكر الممرضة البطلة في مستشفى القديس جاورجيوس التي احتضنت ثلاثة أطفال حديثي الولادة وركضت بهم خارج المستشفى لتخلصهم، غير عابئة بالركام والأنقاض، والطبيب الذي ساعد طفلا لكي يأتي إلى الحياة في قلب ظلمة الإنفجار. لا بد أن نشكر كل الأطباء والممرضين والمدراء والعمال والمتطوعين على لهفتهم ومحبتهم وتفانيهم من أجل إعادة هذا الصرح العريق إلى الخدمة. أسأل الرب أن يمنحنا ما تحدث عنه في إنجيل اليوم، أن يهب الجميع إيمانا مثل حبة الخردل، لكي يتمكنوا من الخروج من هول ما عاشوه. تذكروا ما قاله لنا المسيح في إنجيل اليوم: إن ابن البشر مزمع أن يسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. نحن أبناء القيامة. لقد منحنا الرب يسوع هبة عظيمة، هي قيامته من بين الأموات، وقد عاد وأرانا كيف سيقيمنا، عندما أقام والدته من بين الأموات وأجلسها عن يمين عظمته. كل ما علينا فعله هو أن نبقى جاهزين للالإنطلاق من ههنا، وقد عاينا في الأيام السابقة سهولة الخروج من هذه الحياة لأن الإنسان كالعشب أيامه (مز 103: 15). متى بقينا جاهزين، لن يختطف الشيطان حياتنا، حتى ولو استطاع أن يميت أجسادنا”.
وختم عوده: “في الأخير، تذكروا قول الرب في سفر تثنية الاشتراع: تشددوا وتشجعوا، لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم، لأن الرب إلهك سائر معك، لا يهملك ولا يتركك (31: 6). آمين”.