أين جمهور الحياد والعدالة؟

17 أغسطس 2020
أين جمهور الحياد والعدالة؟
تقرير خالد البوّاب

لا مفاوضات سياسية جدّية ولا استشارات نيابية لتكليف شخصية برئاسة الحكومة، قبل صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

على عكس كلّ محاولات التخفيف من وطأة الحكم وانعكاساته وآثاره السياسية على الوضع في البلد. إذ لا يمكن تجاوز ما سيصدر عنها، وما سيفرضه على الوقائع اللبنانية. هو حتماً سيغيّر الكثير من المسلّمات اليومية.

وهو قادر على تشكيل فرصة حقيقية لاستعادة التوازن السياسي، في مواجهة كلّ محاولات التهديد والوعيد، أو التخويف والتلويح بالعودة إلى سياقات 7 أيار 2008. تلك التي ما عادت ممكنة، ولا نافدة النتائج والإنعكاسات.

في اجتياح 7 أيار 2008، استمدّ حزب الله قوته للدخول إلى بيروت، من صورة أمينه العام حسن نصر الله في مواجهة إسرائيل، و”انظروا إلى البارجة العسكرية الإسرائيلية في عرض البحر تحترق وتغرق”.

والغاية من 7 أيّار، كانت الانقضاض على مراحل تأسيس المحكمة، والقول إنّه لن يأبه لها، فحقّقت له نتائج اجتياح بيروت والدوحة فرض نفسه في المعادلة السياسية اللبنانية، وخسّر وهو حلفاؤه انتخابات 2009 النيابية.

اليوم بات حزب الله الحاكم الأوحد للدولة اللبنانية.

هو مرشدها ومحدّد سياساتها. يخوض الحروب باسمها، وباسم الدفاع عنها في سوريا والعراق وعلى كلّ الجبهات. خرج العرب والغرب من لبنان، وترك له، ومن بقي معه، إما بعض المتخاذلين أو الطامحين.

هذا اللبنان القائم اليوم، هو لبنان حزب الله، بحكومته وعهده وكلّ مقوّماته التي تعيش الانهيار تلو الانهيار. وأيّ 7 أيار جديد لن يكون بمقدوره، لا تجاوز حكم المحكمة، ولا حماية لبنان من الانهيار ولا إكساب الحزب المزيد من الأرباح في السياسة، لأنّ السياسة كلها بين يديه.

يستخدم الحزب تهويله لما يوقعه من خوف في نفوس اللبنانيين، فيركنون إلى مزيد من الاستسلام، ويصوّر نفسه الأقوى، على غرار ما فعل نصر الله في خطابه الأخير.

أما الحقيقة هذه المرّة، فهي أنّ مقوّمات كثيرة كانت ممكنة ومتوفّرة لتعرّض حزب الله لما يشبه 7 أيار بشكل جديد ونتائج جديدة.

كان يمكن لهذا التحرّك أن يأخذ لنفسه يوم 7 آب منطلقاً لاستعادة التوازن، بتظاهرة شعبية مدنية متنوّعة موجوعة تخرج من القهر والظلم وجريمة القتل التي استهدفت بيروت وقلب لبنان، لتأكيد رفض سياسة المحاور، وتهديم جدران الخوف التي تشقّقت في ثورة 17 تشرين وما بعدها، والتأسيس عليها سياسياً، مستفيدة من جملة عوامل.

أبرز العوامل موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الداعي إلى “حياد” لبنان، وخسارة التيار الوطني الحرّ أمام جمهوره وعدم قدرته على تحمّل السير خلف خيارات حزب الله، وموقف دولي مستجدّ وجامع يشدّد على سياسة الحياد وضرورة الالتزام بها، ودخول غربي مبشّر ومباشر على خطّ التحقيقات في تفجير المرفأ، بعد سويعات على موقف رئيس الجمهورية القائل إنّه لن يسمح بحصول تحقيق دولي ولو أنّه وافق لاحقاً على مشاركة FBI في التحقيقات.

فما كاد ينهي كلمته حتى وصلت فرق التحقيق والإنقاذ والبوارج العسكرية وباشرت عملها، دون أن يأتي نصر الله على ذكرها في خطابه الأخير.

صورة البوارج قبالة الشاطئ اللبنانية، تطيح بصورة مجد قصف وإحراق البارجة الإسرائيلية، وهي مؤشّر على الدخول في مرحلة جديدة، لا بدّ أن يلاقيها أحد في لبنان، لبنان الذي أصبح في مهب التدخلات الدولية، بينما كان حزب الله يرفض أيّ حركة لقوات الطوارئ الدولية بين قرى الجنوب.

حتى حبل النجاة الفرنسي الذي حاول حزب الله التمسّك به، باستمرار التنسيق مع الفرنسيين وتلقّف مبادرتهم، أصرّ الأميركيون على قطعه، وهذا ما تؤكده معلومات اطلعت على فحوى لقاءات عقدها وكيل وزارة الخارجية الأميركي ديفيد هيل، الذي أوضح أنّ بلاده لم تتراجع عن أيّ من شروطها.

وعاد وكرّر الموقف نفسه في مرفأ بيروت، بأنه على الدولة اللبنانية أن تسيطر بشكل كامل على حدودها ومرافئها ومؤسساتها، وأنه من غير المقبول أن يتكرّر على الحدود أو في المرافئ ما حصل سابقاً. موقف هيل حمل معاني متعدّدة، حول أنّ ما جرى في مرفأ بيروت سببه حزب الله.

وكان واضحاً مضيّ الأميركيين بالضغط في سبيل تنفيذ شروطهم، حول المعابر وترسيم الحدود وتفكيك الصواريخ الدقيقة.

حزب الله لا يزال في واقع مختلف عن كلّ هذه المتغيّرات. صحيح أنه قدّم ورقة قابلة للتفاوض أو هي استدرجت الأميركيين إلى هذه الخانة، وهي ورقة ترسيم الحدود، لكنّ هيل كان واضحاً، بأنّ أميركا لن تسمح باستغلال هذا الملف كورقة لإطالة أمد المفاوضات، وكسب الوقت.

الشروط الأميركية معروفة، ولا بدّ من تنفيذها، وعندها يبدأ الحديث الجدّي.

الخطّ الذي رسمه هيل، سيتلازم مع ثلاثة مسارات: استمرار الضغط الأميركي على حلفاء حزب الله وخصوصاً المسيحيين عبر التلويح بعقوبات أو عبر دعوات البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الحياد.

منع تقديم أيّ مساعدات للبنان قبل تقديم تنازلات حقيقية وجدّية من قبل الحزب، وصولاً إلى انكفائه عن الساحات العربية.

وحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذي سيكون متلازماً هذه المرة مع تحقيق دولي من نوع آخر حول تفجير المرفأ، سيكون له تداعيات وانعكاسات على ما يبدو أنّ الحزب لم يقرأها بغير نظرته التقليدية، التي لم تعد تنفع حالياً.

في خضمّ كلّ هذه المعطيات، يبدو أنّ لبنان سيذهب إلى تغيير جوهري في سياسته ومواقف القوى السياسية فيه. وحتى الآن لم يخرج أيّ موقف عربي حقيقي وجدّي إزاء كلّ المبادرات والنقاشات والمساعي اللبنانية، من تشكيل الحكومة إلى ما يرتبط بها من استحقاقات وملفات، أو على صعيد إعادة إعمار مرفأ بيروت.

على الأرجح أنّ الموقف السعودي سيتبلور أكثر في الأيام المقبلة، وسيعلن بعد حكم المحكمة الدولية، الذي سيكون له آثار وانعكاسات تفرض على كثيرين عدم المشاركة في حكومة مع حزب الله، أو الذهاب إلى منحه المزيد من الفرص.

إلا إذا أقدم الحزب على التنازل فعلياً عن مشاريعه، أو رضخ كما فعل حلفاؤه في العراق، لنسخة منقّحة عن رئيس مجلس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي.

المصدر أساس