السلاح على الطاولة
في إعلان الحياد الذي طرحه البطريرك، عودة إلى نقطة “الكيلومتر 101” أي لقاء الخيمة الشهير بين الرئيس فؤاد شهاب، والرئيس جمال عبد الناصر. أي العودة إلى ما قبل اتفاق القاهرة في العام 1969. وهو موقف يراد له أن يشبه الموقف العربي من لبنان في هذه المرحلة، والذي يبدو أن هناك انسجاماً عربياً بطريركياً ودولياً، حول حياده، انطلاقاً من معادلة النأي بالنفس، وانسحاب الأفرقاء اللبنانيين المنغمسين في صراعات المنطقة وتجاوز الحدود.
تتعدد أوجه الشبه كثيراً، بين إعلان الحياد، ونداء المطارنة الموارنة عام 2000. فالثاني فتح الطريق أمام الخروج السوري من لبنان.
وهناك من يعتبر أن إعلان الحياد سيمهد لطرح سلاح حزب الله على طاولة البحث
من يدعم هذه الوجهة، يعتبر أن الذريعة المتوفرة حالياً كبيرة جداً لطرح هذا الملف، خصوصاً بعد تدمير نصف بيروت، ووجود مناطق كثيرة مهددة بالدمار بسبب السلاح، والتهديدات الإسرائيلية.
انفراط المسبحة
يراد للإعلان أن يكون محاولة لتثبيت مرحلة سياسية جديدة، تستمد مقوماتها، من إعلان بعبدا، ومواجهة صيغة “جيش شعب مقاومة”، التي لم يشأ الراعي أن ينطلق هجومه عليها، لكنه استهدفها في إشارته إلى اتفاق القاهرة، قائلاً: “الخطيئة الأصلية كانت باتفاق القاهرة الذي أعطى للاجئين الفلسطينيين الحق بالقيام بعمليات ضدّ “إسرائيل” من لبنان وهنا “فلتت المسبحة”.
وهذه إشارة بارزة من الراعي إلى رفض معادلة جيش وشعب ومقاومة. إذ دعا إلى تعزيز قدرات الدولة بأجهزتها ومؤسساتها عسكرياً، لتتمكن وحدها من حماية الأمن في الداخل، والدفاع عن لبنان بوجه أي اعتداء خارجي، سواء كان اسرائيلياً أم غير إسرائيلي. وهو موقف نزع فيه الراعي أي غطاء عن تلك المعادلة “الذهبية”.
ويفترض أن يفتح الآفاق سياسياً على مرحلة جديدة لبنانياً
ضرب العهد
حتى ولو كان موقف البطريرك سيستدعي ردوداً سياسية من حزب الله وحلفائه. ومهما سعت جهات سياسية عديدة إلى عدم التعاطي الجدّي مع هذا الإعلان، إلا أن التأثير الفعلي للمبادرة ستكون ملقاة على عاتق المسيحيين، ولا سيما الموارنة، الذين لن يكون بإمكانهم تجاوز ما طرحه البطريرك.
ولن يكون بإمكان أي زعيم ماروني الخروج عن هذه المعادلة، ولن يكون بإمكان أي سياسي لبناني ماروني الحديث عن الذهاب إلى سوريا أو إلى الشرق، وإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، لا معنوياً أمام الرأي العام، ولا فعلياً مع استمرار الضغوط الخارجية واستمرار مسار العقوبات على النظام السوري وحلفائه.
إعلان المذكرة، ومطالبة الراعي بإقرارها من قبل الأمم المتحدة، من شأنه أن يضرب كل توجهات عهد الرئيس ميشال عون، من السعي للانفتاح على سوريا، أو الكلام عن التحالف المشرقي. وهنا لا بد من العودة بالذاكرة إلى خلاف كبير نشب بين الراعي وباسيل قبل سنوات، بعد إعلان باسيل انغماسه في هذا التحالف المشرقي، بالرهان على العلاقة مع روسيا، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على موقف الفاتيكان، خصوصاً أن الموارنة لا يمكن أن يكونوا مشرقيين.