لو أريد للظروف التي تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بيروت أن تجتمع لما كانت قد اجتمعت إلاّ بسحر ساحر، ولكن شاء اللاعبون الكبار. هذا ما حصل تماماً مع ظريف الذي توجه إلى بيروت- بعد ساعات من وصول وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل- فما إن هبطت طائرته حتى أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية. هذا التطور الإقليمي إلى جانب انفجار بيروت حاصرا إيران التي ترزح تحت ضغط فيروس كورونا والعقوبات الاقتصادية وتداعيات اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، بحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
وفي تعليق على ظروف زيارة ظريف، قال رئيس مجموعة “أوراسيا”، إيان بريمير: “يصعب على المرء كتابة سيناريو أسوأ من هذا لإيران”. من جهته، تناول النائب السابق للرئيس الإيراني، محمد علي أبطحي تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية قائلاً: “في عيون الشارع العربي، باتت إيران العدو. نجد أنفسنا في وضع يلتفت فيه جيراننا العرب إلى إسرائيل لمواجهة إيران”.
وعلى الرغم من أنّ تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية كان متوقعاً، لا يمكن إغفال سياقه فائق الحساسية بالنسبة إلى إيران، فقد جاء بعد عام من اتخاذ طهران وأبو ظبي قرار إعادة إحياء محادثات أمن الملاحة المتوقفة منذ العام 2013، ناهيك عن أنّه جاء في فترة حرجة اقتصادية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية. ففي وقت تواجه فيه إيران أزمة اقتصادية نتيجة العقوبات وجائحة كورونا، كانت الإمارات البلد الوحيد الذي شهد نمو الصادرات الإيرانية؛ يقول رئيس الغرفة التجارية الإيرانية – الإماراتية فرشيد فرزانكان إنّ نسبة الصادرات الإيرانية ارتفعت إلى 16% خلال الشهور الأربعة الأولى من بداية السنة الإيرانية التي تبدأ من 21 آذار.
في قراءتها، تناولت “نيويورك تايمز” الشق السياسي لخطوة التطبيع، إذ حذّرت من تأثيرها على جهود إيران الرامية إلى تعزيز نفوذها عبر “حزب الله” في لبنان، قائلةً: إذا كان سلاح “حزب الله” قد وفّر ورقة ضغط صريحة لإيران ضد إسرائيل، فإنّ الأزمة اللبنانية الداخلية استنزفت طاقات “حزب الله” وكتمت أي تهديد مماثل. ونقلت الصحيفة عن الباحث في “تشاتام هاوس”، سنام وكيل تساؤله عما إذا ستدعم الإمارات الغارات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية في سوريا وجهود إسرائيل الرامية إلى إضعاف “حزب الله” بشكل علني أكثر. كما تساءل وكيل “هل ستدعم إسرائيل الإمارات في وجه العدوان الإيراني؟”، مضيفاً: “إيران وحزب الله محاصران بشدة نتيجة للانفجار. يستحيل أن تعتمد إيران على حزب الله لتمطر إسرائيل بالصواريخ والقذائف الصاروخية في الوقت الراهن. لن تكون هناك شهية ودعم لمغامرة مماثلة”.
في السياق نفسه، تناول المحلل كوف كوفلين تأثير انفجار المرفأ على إيران، متحدثاً عن تنامي المخاوف في طهران من أنّ قدرة الجمهورية الإسلامية على ممارسة نفوذها على لبنان باتت موضع شك. واعتبر كوفلين في مقال نشرته صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية أنّ هذا التطوّر قادر على حرمان إيران من إحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها لتعزيز موقعها في العالم العربي. كما توقّع كوفلين زيادة الضغوط على “حزب الله” بعد صدور قرار المحكمة الدولية، وبالتالي تقويض تدخل إيران غير المرحب فيه في شؤون لبنان، على حدّ تعبيره.
المحلل مايكل يونغ، حذّر من أنّ إيران تقف عند مفترق طرق في لبنان بعد مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي قدّم بموجبها مخرجاً للحزب من جهة، ولبنان من جهة ثانية، من الأزمة. وكتب يونغ: “استخدم حزب الله النظام السياسي (اللبناني) واجهةً لحماية أسلحته واستقلاليته. لكن، تحوّل السياسيون إلى عبء كبير. وفي حال نُفّذت حزمة اتفاق ماكرون، فمن شأن ذلك أن يوفّر طوق نجاة حيوياً لحزب الله. ولكن يمكنه أيضاً أن ينقذ لبنان من التفكك – الأمر الذي تتخوف منه فرنسا”.
يونغ الذي لم يحسم المسألة بالنسبة إلى “حزب الله”، أكّد أنه سيراقب كما إيران نتائج الانتخابات الأميركية عن كثب لمعرفة ما إذا كانت سياسية الضغوط القصوى ستتواصل. وفي ما يختص بلبنان، استبعد يونغ أن يهدأ الغضب الشعبي على المدى القريب، مؤكداً أنّ فرنسا نجحت في استغلال انتكاسات “حزب الله” للتحضير لمرحلة جديدة “قد تمنح لبنان مهلة يحتاج إليها بشدة”.