القاتل المتسلسل الذي قتل الحريري منفرداً

للقاتل المتسلسل المفترض، جمهور يحتفي ويصفّق. بيئة تفتخر بناءً لتوجيهات حزبية وقرارات القيادة

19 أغسطس 2020
القاتل المتسلسل الذي قتل الحريري منفرداً
نادر فوز
نادر فوز
جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نفّذها رجل واحد، سليم جميل عيّاش. هذا ما يراد منا تصديقه. اسم واحد بشخصيات ثلاث ومهّمات قتل متعدّدة.
ذهب سليم إلى طرابلس واشترى سيارة التفخيخ. أما جميل، فقسم نفسه إلى 5 أو 6 أشخاص وراقب تحرّكات موكب الحريري في بيروت وخارجها.
اتصل بنفسه من زوايا الشوارع، وعلى شبكات هاتفية متنوّعة الألوان.
كان يقفل خطاً، يمشي عشرات الأمتار، ويتصل بنفسه مجدداً من خط ملّون آخر.
وعيّاش، من جهته، لم يغضّ بصره عن الحريري في ساحة النجمة.
ولدى خروج موكب الأخير، سابقه باتجاه منطقة السان جورج لركن شاحنة القتل.
وضعها في المكان المناسب، ابتعد عن المسرح وهاتف نفسه في اتصال وداعي أخير.
يراد منا تصديق أنّ رجلاً واحداً مدان، خطّط ونفّذ وأدار العملية بنفسه.
رجل شبح آخر، تماماً كالمسؤول العسكري السابق في حزب الله، مصطفى بدر الدين أو الملّقب أساساً بالشبح.
وهو إلياس فؤاد صعب أو حتى الشاب الجامعي حسن عيسى.

الجريمة المتقنة
جريمة اغتيال الحريري عمل متقن. تصلح لتكون مادةً للتدريس في جامعات الإرهاب والاغتيال السياسي.

مرّ 15 عاماً عليها، ولا تزال كأنها وقعت بالأمس. يعرف الجميع تفاصيلها.
يحفظون كميّة المواد المتفجرة المستخدمة، نوع الشاحنة ولونها.
حجم الحفرة التي خلّفتها وعدد ضحاياها.
يتداولون بظروفها السياسية التي أتت على لسان قضاة المحكمة الدولية أساساً.
وجاءت الإدانة الفردية لسليم جميل عيّاش، لتزيد من قوّتها ووقعها.
نابغة في التفجير والملاحقة والتجسس وضبط التوقيت والتسلسل الإجرامي.


هذه الجريمة المتقنة، تماماً كسلسلة الاغتيالات الأخرى التي تتراكم في سجلات المجلس العدلي منذ ثمانينات القرن الماضي

جريمة متقنة إضافية، جاءت المحكمة الدولية لتخريبها.

قاتل متسلسل
مرّ 15 عاماً، بما فيها من ويلات ومآسي وانهيارات ومجازر واغتيالات. والنتيجة أنّ شخصاً واحداً أطلق كل ما حصل من تحوّلات وموت.

كأن هذا الرجل كان ينافس ضحاياه في علاقات غرامية أو مواقع وظيفية.
أو أنّ حقداً شخصياً أو ثأراً جمعه بهم. فغيّر من دون أن يعرف معالم النظام ومكوّناته، هكذا عن الطريق الصدفة.
الرجل، ثلاثي الشخصيات، نفّذ 3 جرائم أخرى ولم نعرف بعد أيّ شخصية منه مسؤولة عن كل عملية قتل.
منفرداً، زرع عبوةً لمروان حمادة وقتل جورج حاوي وفجّر سيارة إلياس المرّ. كان لكل شخصية من شخصيّاته مَهمّة يتقنها، ولو أنه لا يفلح دائماً في الإجهاز على الضحايا.
إلا أنّ ذلك يعطيه صفة القاتل المتسلسل، يبحث عن إشباع نفسي، طالما أنّ أسلوب القتل نفسه.
عبوة في سيارة على جانب الطريق، أو في سيارة الضحية، المهم أنّ رائحة التفجير تشفي غليله وكذلك الجثث المتفّحمة والأشلاء.

الإدانة العامة
لم تصدر إدانة لمصطفى بدر الدين ولا المتّهمين الآخرين، حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي.

إلا أنّ إدانة عيّاش وحدها تكفي، للتأكيد على أنّ الجريمة ارتكبت على أيدي أعضاء من تنظيم حزب الله.
وما الرفض الأولي للمحكمة وربط قراراتها بالسياسة إلا دليل أولي على ذلك.
والرفض المستمرّ للمحكمة دليل آخر، ولو أنّ بعض من في محور “الممانعة” احتفل بفراغ الإدانة وشخصنتها.
وبين الرافضين، تأكيد جاء على لسان وزير العدل حينها (2005-2008)، بأنّ “(أمين عام حزب الله) حسن نصر الله اطلع على كل تفاصيل المحكمة مني شخصياً”.
كان الحزب موافقاً على قيام المحكمة، وعلى تمويلها في الحكومات التي شارك فيها والبيانات الوزارية التي صوّت لصالحها، وكان يعرف تماماً أنّ لا نتائج ستصدر عنها تحديداً لجهة اتهام تنظيمات أو حكومات فالجريمة، بحجمها والحرفية التي نفّذت بها، لم تترك وراءها آثاراً ودلائل كبيرة. وهذا ما يعرفه الطرف المنفّذ
في قضاء النبطية، علّق عدد من الأهالي لافتةً تقول إنّ “أبناء بلدة حاروف يفتخرون بابنهم المقاوم الحاج سليم عياش”.
“حاج” جديد ينضمّ إلى لائحة الحجّاج الآخرين، المدانين أو غير المدانين بأعمال أمنية. لافتة بيضاء، عكس اللافتات السوداء أو الصفراء التي اعتاد حزب الله وجمهوره على نشرها في الأماكن العامة في بيروت، وفي باقي المربّعات الأمنية والشعبية جنوباً وشرقاً. بيضاء، ربما لكون هذا الإعلان دليل فرح وانتصار جديد.


شكل جديد من أشكال الأعراس. تتكامل مع “حفلة” الجنون على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “من_قتلناه_يستحق”

وفي الاحتفاء بقاتل مدان، مسؤول عن واحدة من جرائم العصر، دلالات كثيرة. للقاتل المتسلسل المفترض، جمهور يحتفي ويصفّق. بيئة تفتخر بناءً لتوجيهات حزبية وقرارات القيادة. القيادة نفسها التي لا تزال تهدّد ليل نهار بإطباق البلد على من فيه. تبحث عن حروب أهلية لإيقاف حرب أهلية.
المصدر المدن