المحكمة تصدر حكمها النهائي في قصية الحريري… انقسام داخلي حوله وترقب لتداعياته على الحكومة

19 أغسطس 2020
المحكمة تصدر حكمها النهائي في قصية الحريري… انقسام داخلي حوله وترقب لتداعياته على الحكومة

بعد خمسة عشر سنة على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة حكمها في ما يعرف بقضية العصر، متهمة سليم عياش بشكل مباشر مذنباً بما لا يرقى إليه الشك بصفته شريكاً في ارتكاب عمل إرهابي باستخدام مادة متفجرة، في حين تم تبرئة لمتهمين الآخرين حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي واسد صبرا.

وبعد القرار باتت الانظار باتت اليوم موجهة الى الداخل وتداعياته على الساحة، لا سيما في الموضوع الحكومي، الذي لا تزال المشاورات فيه تراوح مكانها، ان لا شيء جديدا في هذا الملف حتى إشعار اخر انما لاحظت ان هناك استعجالا لبنانيا لذلك وكذلك من المجتمع الدولي مشيرة الى تشاور وطني عريض حاصل على ما يبدو قبل وهو خيار جيد فبل الأقدام على اي دعسة ناقصة. 

وذكرت بأن رئيس الجمهورية لن يجري الاستشارات النيابية الملزمة الا بعد التشاور ولفتت الى ان الأيام المقبلة قد تعطي اجوبة حاسمة في الموضوع الحكومي سواء بالنسبة الى الشخصية التي تكلف تشكيل الحكومة وتحظى بنوع من الأتفاق الوطني يدعو اليه المجتمع الدولي لاسيما فرنسا ومن ثم تأليف حكومة هادفة ذات مهمة وهي الأصلاح واعادة بناء جسور الثقة مع مختلف اطياف الشعب اللبناني.

انقسام في الشارع
وشكّل قرار المحكمة نوعاً من الصدمة عند الرأي العام الذي انقسم ما بين مؤيد ومعارض له. فالمؤيدون بقوة للمحكمة الدولية احبطهم حكم برأ ثلاثة من المتهمين الأربعة من “حزب الله” وحصر الإدانة برأس الشبكة المنفذة سليم عياش بالإضافة الى تثبيت عدم ادانة قيادة “حزب الله” والنظام السوري، بحسب “النهار”. والرافضون للمحكمة فوجئوا باسقاط نمط اتهامي تخويني دأبوا عليه منذ انشاء المحكمة واتهامها بالتسييس ومجاراة أعداء المحور الممانع لإلصاق تهمة الانحياز بها. بذلك جاءت المفاجأة الكبيرة المزدوجة في مضمون الحكم وحيثياته لتسبغ صدقية على المحكمة وتمنحها سمة الاستقلالية والتحلي بمعايير المهنية الدولية العالية بدليل انها اثبتت الإدانة للرأس المنفذ والمحرك للشبكة فيما لم تدن الثلاثة الاخرين لعدم كفاية الدليل فقط. ولعل الأهم في الوقائع الطويلة والتفصيلية للحكم انها لم تخف اطلاقا الارتباط الضمني والمضمر بين شبكة التنفيذ وعلى رأسها سليم عياش في مؤامرة الاغتيال التي دبرت للحريري بـ”حزب الله ” والنظام السوري من خلال ابراز وتأكيد عامل المصلحة والإفادة لديهما من اغتيال الحريري. وإذ أورد الحكم كل الحيثيات المتعلقة بمصطفى بدر الدين القائد العسكري في “حزب الله ” الذي اغتيل في سوريا لجهة تورطه أساساً في التخطيط لاغتيال الحريري، الا ان التحقيق لم يتمكن من الحصول من الأدلة التي تفسح للإدانة المباشرة. ومن الواضح تماما ان الأهمية الكبيرة بل التاريخية لهذا الحكم تأتي من كونه الحكم الأول من نوعه في تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان بمعايير العدالة والقضاء الدوليين. وقد دامت المحكمة سليم عياش بمجموعة جرائم ابرزها ارتكاب عمل إرهابي وقتل الحريري عمدا بمتفجرة وقتل 21 شخصا آخر عمدا ومحاولة قتل 226 شخصا. اما المتهمون الثلاثة الآخرون حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي، فوجدت المحكمة انهم غير مذنبين في ما يتعلق بالاتهامات المسندة اليهم نظرا الى عدم كفاية الدليل. ولكن المحكمة لم تغفل ان عباس بدر الدين هو من خطط لعملية الاغتيال. ومع ان قانون تأسيس المحكمة لا يتضمن صلاحيتها في توجيه الاتهام الى حزب او دولة الا ان الحكم اكد من خلال إيراده للظروف والحيثيات التي أدت الى عملية الاغتيال ان ” حزب الله ” وسوريا استفادا من اغتيال الحريري. ولعل ابرز ما تضمنته الحيثيات في ايراد الدوافع لاغتيال سياسي كما أكده الحكم هو ان قرار الاغتيال جاء بعد الاجتماع الثالث في البريستول لقوى المعارضة للهيمنة السورية بحضور الحريري الذي طالب بانسحاب سوريا من لبنان.
الحكم ليس مسيساً
وإذ كانت خلاصة حكم المحكمة قد رست على توجيه إصبع الإدانة لقيادي واحد من مجموعة متهمي “حزب الله” الأربعة، فإنّ متن الحكم جاء في ما خلص إليه “ليدحض من جهة المزاعم التي لطالما اتهمت المحكمة الدولية بأنها مسيسة، وليوثّق من جهة ثانية الأبعاد السياسية لجريمة اغتيال رفيق الحريري بالأدلة والوقائع والبراهين”، وفق ما أوضحت مصادر قانونية لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ الحكم المسهب الذي صدر بالأمس “حدد بوضوح دوافع الجريمة السياسية وأصحاب المصلحة في ارتكابها، سواءً من جانب النظام السوري أو من جانب “حزب الله” وصولاً إلى تحديد موعد اتخاذ القرار باغتيال الحريري إثر مشاركة ممثلين عنه في مؤتمر البريستول الذي كان يطالب بإنهاء الوصاية السورية وخروج جيش نظام الأسد من لبنان”.

أما عن عدم إدانة المتهمين الثلاثة الآخرين من أفراد “حزب الله”، فتوضح المصادر أنّ “المحكمة الدولية اعتبرت سليم عياش مذنباً وأدانته بالمسؤولية عن ارتكاب جريمة اغتيال الحريري بعد أن وجدت ما يكفي من الأدلة للقيام بذلك، بينما لم تدن غيره لأنها اعتبرت أنها لم تجد ما يكفي من الأدلة الثابتة والمتينة لإدانتهم، وهذا بحد ذاته لا ينتقص من مصداقية المحكمة بل العكس يكرّس هذه المصداقية”، لافتةً الانتباه في الوقت عينه إلى كون “المحكمة في التأسيس لصدور حكمها توقفت طويلاً عند الطابع السياسي للجريمة وذهبت إلى حد توثيق ضغوط الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً على رفيق الحريري وتهديده صراحةً لدفعه إلى التمديد لولاية إميل لحود”. ولفتت في هذا السياق إلى أنّ “نقطة الفصل بين التهديد وتنفيذ التهديد أتت بحسب حكم المحكمة عند لحظة مشاركة ممثلي رفيق الحريري في اجتماع البريستول ما اعتبر حينها إعلاناً واضحاً عن موقف الحريري المناهض للنظام السوري والرافض لبقائه في لبنان”، مشيرةً إلى أنّ “المحكمة لا يمكنها في نهاية المطاف سوى النظر في الأدلة الدامغة لتحديد المدانين في جريمة الاغتيال، وبما أنها لم تعثر على أي أثر لاتصال أو اعتراف يؤكد وجود اتصال بين عياش المدان وبين القيادة العليا لـ”حزب الله” أو مع أحد المسؤولين في النظام السوري كان من الطبيعي القول بعدم وجود أدلة على تورط النظام أو قيادة الحزب مباشرةً في الجريمة”.

وختمت المصادر: “خلاصة الحكم في جوهره أنّ المحكمة الدولية أقرت في قرارها أنّ الجريمة سياسية بامتياز، وبما أنه من المعروف للجميع أن المدان فيها ينتمي إلى جهة حزبية وسياسية محددة وثبت ارتكابه للجريمة… هل يبقى مهماً بعدها إذا كانت الإدانة تطال شخصاً أو اثنين أو أكثر من المنتمين إلى هذه الجهة لتكون مسؤولة سياسياً عن الجريمة؟”.

ملف فارغ!
وتعليقاً على وقائع المحكمة، قال المحامي الفرنسي فنسان كورسيل لابروس، المكلَّف بالدفاع عن مصالح حسين عنيسي، في اتصال مع “الأخبار”، إن “تبرئة عنيسي هي قرار انتظرتُه منذ عشر سنوات. لقد قلنا منذ البداية إن ملف الادعاء فارغ، وإن ما يُسمى الأدلة الهاتفية هي تقديرات تستند إلى بيانات غير موثوقة”، مُستغرباً “تضييع كل هذه السنوات على مثل هذه المادة الضعيفة، وجرى توظيف عشرات المحققين للعمل عليها”. وسأل كورسيل لابروس: “ما رأيكم الآن بالأموال التي أنفقت على هذه المحكمة؟”.
الحريري يرمي الكرة في ملعب حزب الله
وبالعودة إلى كلمة الحريري من لاهاي، فقد وازنت في مضامينها بين التشديد على قبول حكم المحكمة وعدم التفريط بحق الشهداء في تنفيذ العدالة والقصاص العادل للمجرمين “وهذا مطلب لا مساومة عليه”، وفق تعبيره، مشدداً على أهمية هذا الإنجاز التاريخي للبنان واللبنانيين لكونها “المرة الأولى في تاريخ الاغتيالات السياسية العديدة التي شهدها لبنان التي عرف فيها اللبنانيون الحقيقة، وللمرة الأولى حكمت العدالة الحقيقية”. وأضاف: “أهمية هذه اللحظة التاريخية اليوم، هي الرسالة للذين ارتكبوا هذه الجريمة الارهابية وللمخططين وراءهم، بأن زمن استخدام الجريمة في السياسة من دون عقاب ومن دون ثمن انتهى (…) ورسالتي للمجرمين: هذه الجريمة السياسية الارهابية وكل جريمة سياسية ارهابية ترتكبونها لها ثمن والثمن ستدفعونه لا محالة”. في حين بدا لافتاً جواب الحريري رداً على سؤال عما إذا بقي “حزب الله” رافضاً تسليم عياش إلى العدالة، حين قال: “إذا كنا نريد العيش المشترك، فعلى كل فريق أن يعترف بأخطائه ولا يمكن للبلد أن ينهض إذا كان كل شخص سيكذب على الآخر”.