بيد أنّ ما لم يكن يتوقّعه هؤلاء أن تأتي أحكام المحكمة لتحصر الاتهام بفردٍ واحدٍ من مجموعة المتهمين الأربعة، مقابل “تبرئة” الآخرين، بدل أن تضيف إليهم المزيد من المتّهَمين، وأن تكتفي بتقديم “استنتاجاتٍ” بدت في غالبها الأعمّ “سياسيّة”، من دون أن تقدّم “أدلّة دامغة” عليها، كما تمّ الإيحاء طيلة الأيام الماضية.
ومع أنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي تحدّث باسم عائلة الرئيس الشهيد وسائر الضحايا والشهداء الذين سقطوا في “زلزال” الرابع عشر من شباط، نفى وجود “خيبة أمل”، مؤكداً “القبول بقرار المحكمة”، فإنّ هذه “الخيبة” التي ترتقي لمستوى “الإحباط” كانت أكثر من واضحة لدى شريحة واسعة من جمهور الحريري.
ملاحظاتٌ ومفارقات!
صحيح أنّ نواب “المستقبل” وقياديّيه اعتمدوا سياسة “الاستيعاب” في مقاربة قرار المحكمة، كما فعل الحريري، معتبرين أنّ مجرّد صدور الأحكام “إنجاز”، وأنّ ما حصل ثبّت أنّها غير مسيّسة بخلاف ما كانت تُتَّهَم به، إلا أنّ انطباعاً “مناقضاً” لذلك كان واضحاً في بيئة “المستقبل” وغيره، لا سيما على وسائل التواصل، حيث ذهب البعض في “استهجانه” لطبيعة الأحكام، إلى حدّ التساؤل عمّا إذا كان الحريري قد “انتحر”.
وتنطلق هذه “الخيبة” من سلسلة ملاحظاتٍ ومفارقاتٍ وضعها دعاة المحكمة قبل رافضيها، حول خلاصاتها النهائية، لعلّ أهمّها “الاستهزاء” بمنطق حصر جريمة بحجم “زلزال” اغتيال بمستوى الحريري، بفردٍ واحدٍ هو سليم عيّاش، من دون أيّ “دليلٍ” على وجود “موجّهين سياسيّين” له، أو حتى “شركاء ميدانيّين”، ولو لتأمين الحدّ الأدنى من المقوّمات “اللوجستية” المطلوبة في مثل هذه العمليّات.
ويُضاف إلى ذلك عنصر “الترجيح” و”الاحتمال” الذي غلب على نصّ الحكم النهائي، بعيداً عن “الأدلة اليقينية”، وهو ما عزّز الرأي القائل بأنّ ما قدّمته المحكمة لم يكن في الكثير من جوانبه أكثر من “أطروحة سياسيّة”، وهو ما كان واضحاً أصلاً خصوصاً بالفقرة المتعلّقة بالأبعاد السياسية للجريمة، التي أكّدها القضاة، مقرّين في الوقت نفسه بعدم توافر الأدلة التي “تثبت على وجه محقّق” من الذي وجّه بالاغتيال.
ليست النهاية!
إزاء ذلك، ثمّة من يرى أنّ المحكمة الدولية “أخفقت” في المهمّة الملقاة على عاتقها، فهي لم تنجح بعد 15 عاماً على اغتيال الحريري، في تقديم “رواية” كاملة، ومتماسكة بالحدّ الأدنى، للجريمة ومسارها، بل إنّ النتيجة التي وصلت إليها، بعد إنفاق الكثير من الأموال عليها، جاءت “منقوصة” بشكلٍ أو بآخر، ولو من باب “عدم كفاية الأدلّة”.
لكن، في مقابل وجهة النظر، ثمّة من لا يزال “مقتنعاً” بأنّ المسار الذي اعتمدته هذه المحكمة “أفضل الممكن”، ومن يعتبر أنّ النتيجة التي توصّلت إليها تبقى مهمّة، ولو من الناحية المعنوية، خصوصاً أنّها كرّست منطق “العدالة”، ولو اعتبرها كثيرون “نسبية”، باعتبار أنّها إن دلّت على شيء، فعلى أنّ الجريمة السياسية لا يمكن أن تمرّ من دون عقاب أو حساب.
ولعلّ “التحدّي” الأساسيّ يكمن هنا، برأي مؤيّدي المحكمة، ممّن يعتبرون أنّ على السلطات اللبنانية دوراً ينبغي أن تلعبه في هذه المرحلة، بعدما باتت الكرة في ملعبها، مع بدء العدّ العكسي لصدور “العقوبة” بحقّ المتّهَم الرئيسيّ في غضون أسبوعيْن، وإن كان تسليمه أشبه بـ “مهمّة مستحيلة” وفقاً لكثيرين، استناداً لإعلان الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله قبل سنوات أنّ أحداً لن يتمكّن من الوصول إلى أيّ من المتهَمين، مهما طالت السنوات.
بين القانون والسياسة فارقٌ شاسعٌ، ولذلك يرى البعض أنّ الانطباعات “السياسية” التي تولّدت عن حكم المحكمة، قد لا تكون سليمة من الناحية القانونية، ولو أنّ “المكتوب يُقرَأ من عنوانه”، و”العنوان” أنّ ما صدر عنها، مهما كان مهماً وأساسياً وجوهرياً، يبقى تحت سقف التوقعات والطموحات، التي بالغ البعض في رفعها…