جريمة “حزب الله” في حق الحقيقة

20 أغسطس 2020
جريمة “حزب الله” في حق الحقيقة
قاسم مرواني
منذ ما قبل تأسيسها في العام 2005، توجس “حزب الله” من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. قال منذ لحظة تأسيسها أنه غير معنيّ بها، حاول في أماكن كثيرة عرقلة عمل لجان التحقيق الدولية.
وسائل إعلام الممانعة بدأت العمل منذ اللحظة الأولى على شيطنتها لدى جمهورها وعلى حرف مسار التحقيق نحو اسرائيل تارة ونحو “تنظيم القاعدة” تارة أخرى.
اتسمت المحكمة، الثلاثاء، بحِرفية عالية، وأثبتت أنها بعيدة عن التسييس. أصدرت قرارها عملاً بالأدلة والقرائن التي استطاع الادعاء التوصل إليها.
الكثير من الدلائل كان غير مقنع بالنسبة لها، فلم تأخذ به. برّأت ثلاثة عناصر من “حزب الله”، ليس لأنهم بريئون بالفعل، فهم بالنسبة للمحكمة كانوا مشاركين في المراقبة، لكن لا دليل على معرفتهم بأن مراقبتهم لرفيق الحريري إنما هي بغية اغتياله.


يعني أن براءتهم هي من ناحية القانون وعدم كفاية الأدلة


سليم عياش هو الوحيد الذي استطاعت أن توجه إليه إدانة لا يشوبها أدنى شك. سليم عياش واحد من ستة أشخاص استعملوا الخطوط الحمر.
ستة أشخاص عرفوا وخططوا وقتلوا عن سابق ترصد وتصميم، رفيق الحريري وآخرين، لكن المحكمة لم تستطع التوصل إلا لهوية سليم عياش.
هؤلاء الستة، نفذوا جريمتهم بمساعدة آخرين، لكن لا قدرة على إثبات معرفة هؤلاء الآخرين بالهدف من العملية. وهو التقدير الذي ساد مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، في تأكيد لما توصلت اليه المحكمة.
لا يخفي هؤلاء أن هناك شيئاً ناقصاً في التحقيقات، كان يمكنه أن يغيّر مسار المحكمة كلها، وأن يكشف الحقيقة، وهو تعاون “حزب الله” معها.
لو استطاعت المحكمة استجواب سليم عياش أو أي من المتهمين الآخرين لتمكّنت، بشكل لا يشوبه الشك، تحديد جميع المتآمرين لاغتيال الحريري، ولاستطاعت توزيع المسؤوليات عليهم بشكل عادل.
“ولو كان حزب الله بريئاً من تهمة الاغتيال، فإن من مصلحته التعاون مع المحكمة”، يرى كثيرون. ربما راقب عناصر الحزب، رفيق الحريري، كما أثبتت المحكمة، وربما كانوا موجودين لحظة الاغتيال، لكنهم ليسوا المنفذين، ربما كان لمراقبتهم هدف آخر غير معروف.
لكن، كيف نصل إلى الحقيقة عندما يرفض المشتبه فيه الرئيسي، التعاون مع التحقيق، وتقديم ما لديه من معلومات وتسليم المتهمين لاستجوابهم؟ جريمة “حزب الله” في حق الحقيقة، هي عدم التعاون مع التحقيق.
وعلى الرغم من تبرئة ثلاثة عناصر من الحزب، لعدم كفاية الأدلة، إلا أن توجيه التهمة إلى أحد عناصر الحزب، كاف لتوجيه اتهام سياسي إلى “حزب الله”.
فسليم عياش أحد عناصره، ولن ينفذ الجريمة من دون أوامر عليا (وهو ما عجزت المحكمة عن إثباته). كما أن عياش متورط مع آخرين في مجموعة الاغتيال، وتلقى المساعدة من مجموعات أخرى. لذلك، فإن الوصول إلى الحقيقة الكاملة يبدأ بالامساك بطرف خيطها، سليم عياش، والتحقيق معه.
صحيح أن قرار المحكمة خيب أمل الكثيرين من أنصار 14 آذار و”المستقبل”، الذين كانوا ينتظرون اتهاماً سياسياً مباشراً لحزب الله، يؤدي إلى اتخاذ اجراءات بحقه، إلا انه، وفي ساحة 8 آذار، كانت الاحتفالات تعم الضاحية الجنوبية بعد تبرئة ثلاثة عناصر متهمين من الحزب، وبعد خيبة الجمهور الآخر التي اعتبرها أنصار الحزب نصراً لهم.
الجمهور الذي من المفترض ألا يكون معنياً بالمحكمة، شأنه شأن قادته السياسيين، كان يتابع مجرياتها طوال النهار.
في موقع قناة “المنار” الالكتروني، لا وجود لأي خبر عن قرار المحكمة الدولية.
يتابع الاعلام الرسمي لحزب الله سياسة تجاهل المحكمة وقراراتها، لكنه من جهة أخرى، ورغم تبرئة ثلاثة من عناصره لعدم كفاية الأدلة، إلا أن المحكمة أثبتت التهمة على أحد عناصر الحزب، ما يعني أن الاتهام السياسي للحزب باغتيال الحريري بات جاهزاً.
لذلك ربما، لا يعلن الحزب وإعلامه الرسمي، موقفاً من المحكمة وقرارها حتى الآن، بانتظار إطلالة أمينه العام ليحدد له سياسة الأيام المقبلة.


أما الصفحات غير الرسمية المؤيدة للحزب، فقد عاشت يوماً احتفالياً، بانفصام واضح عن قياداتها


احتفلت الصفحات بتبرئة عناصر الحزب الثلاثة، وسخرت من عدم توافر أدلة قاطعة لدى المحكمة لحسم قراراتها، كما سخرت من الجمهور المعارض الذي لطالما علق آماله على المحكمة.

موقع “الميادين” نقل كلمة الحريري بعد جلسة المحكمة بعنوان “الحريري: الحكم لم يكن على مستوى توقعاتنا”. وفي برنامج “أنتم أونلاين”، اختارت القناة تغريدات لناشطين امتعضوا من الوقت والمال المبذول على المحكمة الدولية من دون أن تصل إلى نتائج ملموسة.

“الميادين” التي حاولت إظهار فشل المحكمة عبر إظهار عدم الرضا في الشارع المقابل، مع أن كلمة الحريري كانت واضحة لجهة القبول بحكم المحكمة، ومطالبة حزب الله بالتضحية من أجل العيش المشترك… أسقطت من تغطيتها المطالبات بتسليم المتهم عياش إلى العدالة، وركزت في تقاريرها على تبرئة المحكمة لسوريا وحزب الله من عملية الاغتيال.

 

 

المصدر المدن