لقاء عون – بري
وشكّل اللقاء الذي جمع الرئيس عون والرئيس بري في القصر الجمهوري نوعا من تحريك للمياه الراكدة الحكومية، واعاد هذا الملف الى الواجهة بعد ان كان قد أصبح في آخر سلم الأولويات. كشفت مصادر متابعة عن قرب للاتصالات، ان التواصل سيستمر خلال الساعات الـ٤٨ المقبلة للتوصل الى تفاهم ضروري قبل الذهاب الى الاستشارات النيابية الملزمة، لأن اوضاع البلاد لا تحتمل اي تاخير في معالجة المشكلات القائمة، علماً ان كلا من الرئيسين يقوم بمشاورات تتعلق بملف تأليف الحكومة من رئيسها الى شكلها وبرنامجها.
ورجحت المصادر ايضا ان يكثف الرئيس بري اتصالاته بالقوى السياسية في سبيل تسهيل عملية التكليف ومن ثم التأليف، وسط معلومات عن تقدم اسم الرئيس سعد الحريري كرجل المرحلة.
واستبعدت المصادر عبر “اللواء” ان تتم الدعوة الى الاستشارات هذا الاسبوع، ورجحت ان تتم خلال الاسبوعين المقبلين، لوجود شروط وشروط مضادة بين الحريري وبين بعض الاطراف الاخرى.
واكدت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” ان الرئيسين عون وبري توافقا على تحضير الأجواء المناسبة للملف الحكومي والأسراع بالتالي في هذا الملف تمهيدا للأستشارات النيابية الملزمة مشيرة الى انهما مستمران في مشاوراتهما من اجل قيام توافق في هذه المرحلة قبل الأستشارات وتفاديا لأي خلل يصيب التكليف والتشكيل.
واوضحت ان بعض النقاط التي اثيرت بينهما وتتصل بشكل الحكومة وبرئيسها تشكل محور بحث في الساعات الثماني والأربعين المقبلة مؤكدة ان ما فهم ان رئيس المجلس ابلغ الرئيس عون ما كان قد ذكره في الأتصالين الهاتفيين المتتاليين بينهما لجهة تمسكه بالرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.
ولفتت الى ان لا تفاصيل بحثت لأن لا تفاهم بعد حول شكل الحكومة وهو متروك لمرحلة ما بعد تحديد هوية الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة. وافادت المصادر ان هناك سلسلة لقاءات تعقد بعيدا عن الأضواء ولفتت الى ان رئيس الجمهورية يلتزم برغبة النواب في التسمية ولن يدخل في موضوع الأسماء لكنه لا يريد فرض شروط مسبقة.
وتوقفت المصادر عند تفاهم عون وبري حيال عدة امور وقالت انهما عرضا لوجهة نظرهما واعادت التأكيد ان خطوط التواصل بينهما مفتوحة.
مبادرة بري
مصادر مطلعة على اللقاء قالت لـ”الأخبار” إن “بري حاول تسويق الحريري وإقناع عون به تحت عنوان ضرورات المرحلة، لكن عون حتى الآن لم يتجاوب، فيما ننتظر موقف باسيل”. واعتبرت المصادر أن “مهمة بري شبه مستحيلة. فالحريري لم يعطِ أي جواب على تسميته وهو تبلغ الرفض السعودي بأن يكون رئيساً لحكومة يشارك فيها الحزب، وبالتالي كيف يُمكن إقناع الآخرين قبلَ إقناع الحريري نفسه”؟ ورأت المصادر أن “تشكيل حكومة سياسية بالشكل الذي يسعى إليه بري دونه عقبات كثيرة. إذ لا يُمكن تأليفها ما دام السقف الخارجي الذي تضعه الولايات المتحدة خلف الأبواب المقفلة هو الحكومة المحايدة. وفرنسا كانت حتى الأمس لا تزال تتواصل مع الأطراف المعنية وتكرر المطالبات بحكومة حيادية تكون لها مهام استثنائية في هذا الظرف وإجراء انتخابات مبكرة”. وقالت المصادر أن “الأصوات المعترضة في الداخل على تسمية الحريري لا تزال على حالها، وبالأخص جنبلاط الذي وعد بري بأن يتولى إقناعه. وهناك اتصالات يقوم بها النائبان علي حسن خليل ووائل أبو فاعور في هذا الصدد”.
وفي هذا السياق، نقلت مصادر مطلعة على أجواء لقاء بعبدا لـ”نداء الوطن” أنّ “بري يحبذ الإسراع في تحديد موعد الاستشارات النيابية وإنجاز عملية التكليف قبل عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت مطلع أيلول، غير أن عون لا يزال يشترط تبلور صورة المشاورات السياسية قبل الدعوة إلى الاستشارات النيابية”، مشيرةً في المقابل إلى أنّ “رئيس المجلس استطاع أن يكسر الفيتو العوني السابق على تكليف الحريري غير أنه عاد واصطدم بوضع رئيس الجمهورية شرط عقد “تفاهم مسبق” حول عدة نقاط بما يشمل تسمية الوزراء وبرنامج الحكومة والضمانات المتعلقة بالمفاوضات مع الخارج”. وعليه، أكدت المصادر أنّ “بري يدرك صعوبة إقناع الحريري بشروط عون ولذلك سيحاول خلال الساعات المقبلة خفض السقوف وتدوير الزوايا لضمان نجاح مسعاه”، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ حظوظ التجاوب مع الطرح العوني بتشكيل حكومة أقطاب تراجعت بعدما “شرح رئيس المجلس لرئيس الجمهورية وجود شبه استحالة أمام إمكانية تشكيل هكذا حكومة في هذه المرحلة”.
تعقيدات وتجاذبات
وتوقعت مصادر سياسية متابعة للاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة بروز تعقيدات وتجاذبات بين الاطراف المعنيين بعملية التشكيل، قد تطيل ولادة الحكومة العتيدة، لاسيما وان هذه العملية أصبحت تتأثر بجانب كبير منها بالاهتمام الاقليمي والدولي الذي ترجمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بزيارته الاخيرة الى لبنان بعد التفجير المدمر الذي استهدف مرفا بيروت ودخوله بدور فرنسي لافت لاخراج لبنان من الازمة السياسية والحكومية واقتراح أفكار معينة لتشكيل حكومة جديدة مقبولة من جميع الأطراف تتولى الإشراف على القيام بالمهمات المنوطة بها لإخراج البلد من ازمته المالية وتتولى القيام بالاصلاحات المطلوبة بالسرعة اللازمة ووضع لبنان في مرحلة جديدة.
واشارت المصادر إلى ان زيارة الموفد الاميركي ديفيد هايل اعطت دفعا للموقف الفرنسي بخصوص تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بنفس المواصفات تقريبا مع تباين بشكلها، وهذا ما أعطى انطباعا واضحا بوجود رغبة دولية واضحة لقيام حكومة جديدة تاخذ بعين الاعتبار المتغيرات بالداخل لجهة مطالب المواطنين وصرخاتهم بالتغيير، بالرغم من زيارة وزير الخارجية الايراني جواد ظريف لاحقا لابراز تأثير بلاده ومحاولة التاثير على المشاركة الفرنسية والاميركية وغيرها في رعاية ودعم تخريجة الحكومة العتيدة.
واعتبرت المصادر ان المشاورات بين الأطراف السياسيين لم تنقطع منذ ذلك الحين، وقد اتت زيارة الرئيس بري الى بعبدا امس لترجمة نتائج الحركة السياسية والديبلوماسية الاخيرة ولفتح ثغرة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة.
وقالت ان بري ابلغ رئيس الجمهورية ميشال عون بأنه لم يعد ممكنا التأخير ببدء الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة الجديدة بعد اكثر من اسبوع على استقالة حكومة حسان دياب وعرض على عون مبادرة لتشكيل حكومة انقاذ وطني من عشرة اعضاء برئاسة سعد الحريري تضم شخصيات اختصاصيين مشهود لهم بمهنيتهم وخبرتهم بالحقل العام، تتولى عملية الاصلاحات البنيوية المطلوبة في القطاعات والادارات وتعيد تواصل لبنان مع العرب والخارج وتباشر سريعا بحل الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية المتدحرجة وتعيد اعمار المناطق المهدمة والمتضررة جراء الانفجار المروع في مرفأ بيروت مؤخرا.
وكشفت المصادر ان عون بدا وكانه فوجىء بما طرحه بري عليه واستمهله ليومين للرد على مبادرته.
حكومة التكنوقراط الأوفر حظاً
وأمام ذلك، أعربت المصادر عن اعتقادها بأنّ الصيغة الأوفر حظاً حتى الساعة هي “حكومة تكنوقراط يرأسها الحريري وتحظى بغطاء سياسي لتجاوز الأزمة”، لكنها تساءلت في المقابل: “هل سيقبل عون و”حزب الله” بأن يسمي الحريري فريقه الوزاري بالكامل أم أنّهما سيصران على أن تقوم الأحزاب بتسمية وزرائها في حكومته التكنوقراطية؟”، مشيرةً إلى أنّ “القناعة السائدة حالياً بأنه لا يوجد أي إسم يتقدم على إسم الحريري في رئاسة الحكومة، ولذلك اتفق عون وبري على تكثيف المشاورات خلال الساعات الـ48 المقبلة في سبيل محاولة التوصل معه إلى أرضية مشتركة تتيح الدعوة إلى الاستشارات والانطلاق في عملية التسمية والتكليف”.
من ناحيتها، أكدت مصادر بعبدا لـ”نداء الوطن” أنّ “لرئيس المجلس النيابي دوراً كبيراً في المشاورات السياسية التي تسبق الاستشارات النيابية” من دون أن تستبعد امتداد فترة انتظار الدعوة إلى الاستشارات “أسبوعاً إضافياً”، مشددةً على أنّ “الأمور أصبحت معقدة ومتشابكة أكثر من ذي قبل لأن لبنان اليوم لا يشكل حكومته وحده، بل الخارج أيضاً دخل بقوة على الخط الحكومي، سواءً الخارج الذي يعبّر بصوت عالٍ عن موقفه كفرنسا أو الذي يعبّر بصمت مؤثر عن موقفه كالمملكة العربية السعودية”.
وفي هذا الاطار، أشارت معلومات “اللواء” الى البدء بطرح أسماء ممكنة في الحكومة الجديدة، مثل تسمية نائب حاكم مصرف لبنان السابق رائد شرف الدين وزيراً للمالية، ورئيس مجلس إدارة اوجيرو عماد كريدية وزيراً للاتصالات فضلاً عن شخصيات موثوق بها، ما تزال قيد الاتفاق حولها.
الرياض وواشنطن على الخط
في هذا الوقت، برزت معطيات أخرى تُشير إلى أن واشنطن والرياض تريدان حكومة محايدة مشرفة على انتخابات نيابية مُبكرة، في محاولة للإنقلاب على نتائج الإنتخابات الأخيرة، واستبعاد حزب الله عن المشهد السياسي بأي ثمن. وبحسب “الأخبار” فان الرئيس الحريري مُقيّد بالشروط الخارجية والموقف السعودي الرافض لأي شكل من الشراكة مع الحزب داخل الحكومة، ومكبّل بالمواقف الداخلية الرافضة لترشيحه، تحديداً من قبل رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط والقوات اللبنانية. ويبدو واضحاً أن حزب الله وحركة أمل ليسا في وارد الذهاب إلى تشكيل حكومة بلا لون أو تكرار تجربة دياب. أما الرئيس ميشال عون ورئيس تكتّل “لبنان القوي” جبران باسيل فحتى الآن لم يقتنعا بعودة الحريري، ولا الإنصياع لما يقول إنها “شروطه”.