أن يُعلن مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب السابق وليد فارس ان قرار المحكمة الخاصة بلبنان يمهّد لاستكمال الـ1701 ففي ذلك دلالة واضحة لا تقبل اللبس. وان يقول فارس ايضاً ان اللبنانيين سيعرفون الحقيقة كاملة حيال الاعمال الإرهابية التي أدت الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد نزع سلاح حزب الله، ففي ذلك دلالات تبدأ بتأكيد عزم الإدارة الأميركية على تشديد الخناق على حزب الله، غير انها لا تنتهي عند حدود نسف، ولو عن غير قصد، “حياد” المحكمة.
للوهلة الأولى، يبدو النهج المعتمد كمبدأ “العصاة والجزر” (The stick and the carrot) الذي تبرع فيه الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً في حال كان نابعاً من نيّة مبايعة إيران ومسايرتها “راهناً” او حتى اجراء تسوية معها لحين إتمام الانتخابات الرئاسية المرتقبة. بالنظر الى كل هذه المعطيات، يتّضح ان شيئا ما يُحاك لبلدان الشرق الأوسط بعد انطلاقة ورشة التطبيع مع إسرائيل، ومن بينها طبعاً لبنان تحديداً بعد مجزرة مرفأ بيروت وما تبعها من “تلهية” في ملف ترسيم الحدود.
هذه النظرية نسفها وزير الخارجية الاميركي، بعدما كشف عن خطوات مقبلة سيتخذها الرئيس الاميركي تجاه ايران، معلنا ان بلاده ستُطبق قريبا آلية اعادة العقوبات على طهران، بعدما رفض مجلسُ الامن الدولي منذ ايام، محاولة اميركية لتمديد حظر الاسلحة على “الجمهورية الإسلامية”.
تزامن حكم امس الأول مع وقت يتم فيه طرح ضرورة إجراء تحقيق دولي في انفجار بيروت. واذا كان اغتيال الحريري تحذيراً من فترة متقلّبة تخللها سلسلة اغتيالات وافلات المرتكبين من العقاب، فلا شكّ ان جريمة المرفأ قادرة على الإطاحة بالطبقة السياسية الحاكمة عن بكرة أبيها ليس بقوة قرارات دولية انما بصرخة شعب جائع ومشرّد يُغتال وتُنتهك حقوقه وتُنكّل كرامته كلّ يوم.
في جميع الأحوال، وبغض النظر عن قابلية تسييس المحكمة الخاصة بلبنان من استحالتها، ومدى إمكانية إخضاعها لضغوطات، ينطرح سؤال بديهي حول ما اذا كان حُكم امس الأول يستحق إضاعة 15 عاماً وهدر مليار دولار في الملاحقات القضائية وتوظيف جيوش من المحققين والباحثين والمحامين، والاهم اذا كانت “تجربة” المحكمة الدولية مشجّعة حتى تُعاد الكرّة في قضية تدمير بيروت عبر تفجير مرفئها وهي جريمة مصنّفة ضدّ الإنسانية. فالقرار تناقض مع تحقيق الأمم المتحدة الذي قاده المدعي العام الألماني ديتليف ميليس، وفيه وجه اتهامات إلى أكثر من 20 مشتبهاً، من بينهم عدد من كبار المسؤولين اللبنانيين وكبار المسؤولين السوريين، على عكس نتائج المحكمة الدولية.
في اتصال مع “لبنان 24″ يقول رئيس مجلس شورى الدولة الأسبق القاضي شكري صادر: ” تقنياً، يتطلب انشاء محكمة دولية مساراً طويلاً. قبل كلّ شيء نحن بحاجة الى دعم من قبل الأمم المتحدة ومجلس الامن(وهو يعاني في غالبية الأحيان من تناقض المصالح). اعتبر مجلس الامن عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تهديداً للامن والسلام الدوليين. هكذا، أُرسلت لجنة لتقصي الحقائق. هدف اللجنة كان التأكد من اذا كان لبنان قادراً على إدارة التحقيق في الجريمة المصنّفة إرهابية. وقد جاء التقرير ليؤكد ان لبنان لا يملك القدرات المطلوبة والوسائل اللازمة، وحتى لو امتلكها الا انه لن يتوصّل الى احقاق العدالة، (في إشارة الى هيمنة النظام السوري آنذاك وهو ما شكل صفعة للقضاء اللبناني). في هذا الاطار، لا بد من الإشارة الى ان المحكمة الدولية هي التي تنشأ بقرار احادي من الأمم المتحدة. لكن اذا طالبت الدولة بذلك فتكون المحكمة خاصة ذات طابع دولي. وللتذكير، فقد أنشئت المحكمة الدولية بقوة التهديد بالفصل السابع أي تحت طائلة استخدام العنف لتنفيذ قرارات مجلس الامن”.
ويضيف صادر”الجرائم التي تتطلب محاكم خاصة دولية 5 أنواع: وهي جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الإبادة، جرائم الاعتداء او العدوان وجرائم الإرهاب. في العادة تقوم دول بارتكاب اعمال ونشاطات إرهابية. يتطرق القانون اللبناني الى الأنشطة الإرهابية من قبل “الجمعيات الأشرار”. والغريب في الحكم ورغم ان المحاكم الخاصة تحاسب افرادا وليس أنظمة ولا أحزاب هو تبرئة ذمة كل من النظام السوري وحزب الله وهما أصلا غير مدعى عليهما، وفي ذلك ثغرة واضحة. الى ذلك، فان تبرئة ذمم 3 متهمين لعدم كفاية الأدلة قرار ساذج بعدما قيل الكثير عن الأدلة التي جمعتها المحكمة خلال كل تلك الأعوام. ذلك يعني ان الحكم لم يرقَ الى مستوى التحقيقات التي استغرقت نحو 5 اعوام”.
باختصار، كثيرة هي علامات الاستفهام وقليلة جدوى “المحاكم” الخاصة ذات الطابع الدولي، الا ان انعدام الإفادة هذا لا ينطبق على التحقيقات الدولية. واذا كانت “المافيات” بكل ما للكلمة من معنى هي الضالعة بتفجيريَ بيروت، واذا كان من شبه المستحيل محاسبة المحرضين والمخططين والمنفذين، فلا عجب في ان يصحّ في لبنان القول “مررت على “العدالة” وهي تبكي…فقلت على ما تنتحب الفتاة؟ فقالت كيف لا ابكي واهلي جميعاً دون خلق الله ماتوا؟!”
إيفون أنور صعيبي