كما دعا إلى “الذهاب فورا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بأولويات وطنية، بعيدا من إشارات أو بيانات القناصل والسفارات، وإلا ضاع وطننا”.
كذلك دعا إلى “نظام تكميلي للطائف أو تعديلي لهذا الطائف، الذي قد لا يبقي حجرا على حجر في هذا البلد”، معتبرا أن “ما شهدناه في انفجار المرفأ خير شاهد على فشل هذا النظام الذي يجهل المسؤول والفاعل معا”.
كلام قبلان جاء في رسالة شهر محرم الحرام ورأس السنة الهجرية لهذا العام، والتي ألقاها من مكتبه في دار الإفتاء الجعفري، وهذا نصها:
“مقارنة بالتاريخ الأكثر تأثيرا من خلال هجرة النبي الأعظم (ص) وثورة الإمام الحسين عليه السلام، التي جددت وأكدت مشروع النبي (ص) ومبادئ رسالته، التي قامت على قيم ومفاهيم فكرية واجتماعية وفردية ومجتمعية وسياسية، وشكلت مفصلا للتاريخ الإنساني، فقد تلاقت هجرة النبي (ص) ودعوته مع قيام ثورة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، لأن رسالة السماء ومشروعها لا يمكن أن ينفصل عن ضرورة السلطة العادلة ومفهومها الحقوقي كضامن وكافل رئيسي للإنسان.
بخلفية أن جوهر رسالة السماء ومشروع ثورة سبط النبي (ص) تشكلت حول قضية الإنسان وحقوقه ودوره الوظيفي والأخلاقي والمدني. وعليه، فإن الصلاة والصيام وباقي العبادات الفردية هي ضرورة ماسة، إلا أن هذه الضرورة لا بد أن تتحول قيمة اجتماعية أخلاقية وخيارا سياسيا مدنيا لصالح بني الإنسان وقيمه في مجالات الاجتماع السياسي والكفالات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية والمالية، ومفاهيم الحريات والحقوق وإدارة مشروع الدولة، كبرامج وسياسات يراد منها تأكيد قيم الله بالإنسان والوطن.
وعليه، لقد كانت هجرة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) ومفهوم تضحياته العظيمة كهجرة جده النبي محمد (ص)، جغرافية وفكرية واجتماعية وسياسية، تحت شعار الإنسان أولا، ببعده الوجودي والقيمي، فيما قضية الوطن تبدأ بالمشروع السياسي وبالفهم الحاسم والصريح لشرعية السلطة الموقوفة على شرعية مصالح الإنسان. ومعه، فإن الجوع والفقر والأمية والجهل والبؤس والفشل الاجتماعي والتعليمي والصحي والتربوي والمهني والاحتكار السياسي هو فشل ذريع لعقل السلطة، وسقوط لشرعيتها ولمفهومها ولدورها، ولدور الفريق الذي يدير مؤسساتها، وفق مبدأ الأولويات، والتي من المفروض أن توظف من أجل أولويات الناس.
من أجل ذلك، رفع الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء شعارات جده نفسها، يوم هاجر (ص) على قاعدة أساسية وثابتة، تؤكد أن كل ما في هذا الكون هو من الله وإلى الله، وعلى الإنسان أن يقرأ حقائق هذا العالم وسر هذا الوجود، ليجير القيم السلوكية في هذا المعنى. وعلى هذا الأساس أقام النبي (ص) مشروع دولته، وشرعة سلطته، التي طالب الإمام الحسين (ع) برد السلطة إليها، وهي التي أطرها بأكبر مبادئ عون الإنسان ومحبته وتكريس حقوقه وفق مبدأ ، على قاعدة الإنسان بما هو إنسان، لأن أكبر المبادئ الحقوقية عند الله أن تبدأ بالإنسان، دون أن تلغي قيمته الدينية والحضارية. إلا أن رأس مفهوم القيم الحقوقية في دولة النبي الأعظم وأكبر مبادئ الإمام الحسين (ع) يبدأ وينتهي بقدسية الإنسان.
لذلك، فإننا وعلى رأس السنة الهجرية، وعلى عتبة محرم الحرام، بكل ما يعنيه محرم من ملحمة قيم وحقوق وضمانات، نؤكد أن مركز شرعية السلطة والوطن هو الإنسان، كما أن شرعية المشروع العام تبدأ وتنتهي بالإنسان، فلا شرقية ولا غربية، بل مصالح وطنية وإنسانية، مصالح يجب الدفاع عنها، وحمايتها وتكريسها، فلا حياد في قضية الإنسان أو الوطن، كما لا حياد في مواجهة الفساد والاضطهاد والمحتل والمعتدي وفوضى المنطقة، التي تتقاتل وتتصارع على طريقة الفوضى الأمريكية في المنطقة.
من هنا، نحن نصر على تمسكنا بكيان لبنان، لبنان الشراكة، والسلم الأهلي، والتنوع، لبنان المسلم والمسيحي على قاعدة المواطنة، لا فرق بين الشمال والبقاع والجنوب وجبل لبنان والضاحية وبيروت وكسروان، لبنان كوطن لنا جميعا، لكن يجب أن نعترف بكل عقلانية ورحابة صدر وواقعية أن النظام السياسي الحالي بات عاجزا عن تلبية طموح اللبنانيين وحقوقهم الضرورية، وهو غير صالح للحكم ولا لحكومة. كما أن الطائفية السياسية مزقتنا، وحولت وطننا الحبيب إلى ضحية تفترسها كل ذئاب العالم، لا بل مكنت كل مافيات القرصنة والصفقات والمصالح من نهب مؤسسات الدولة وإفقار الناس ووضع البلد أمام انهيارات مالية ونقدية وسياسية، قد تلغي لبنان الكيان والميثاق والصيغة والهوية والشراكة.
إن شعارنا اليوم وغدا وبعده: “يجب تطويع المشروع السياسي ليكون في خدمة لبنان واللبنانيين” وليس العكس، وأيضا ليس في خدمة الطائفية والطائفيين، نعم في خدمة المواطن، في خدمة الناس، في خدمة الفقراء كأساس لعدالة وبقاء الوطن، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال بعد مائة سنة على تأسيس لبنان أن يبقى لبنان طائفيا، وأن يكون هناك تمييز بين أجياله ومواطنيه، لأن ما صح سنة 1920 و1943 و1989 لا يمكن أن يصح اليوم أبدا، ولن يصح، فكفانا ندبا، وكفانا هروبا، وكفانا قتلا وتدميرا للبنان.
ومن هنا نناشد وندعو إلى وقف لعبة الموت وتدمير البلد، والذهاب فورا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بأولويات وطنية، بعيدا عن إشارات أو بيانات القناصل والسفارات وإلا ضاع وطننا، وما أسهل أن يضيع الوطن حين يتحول مقامرة بيد السفارات.