هول الانفجار الذي حصل يوم الرابع من آب، قد يضع حداً لمحاولة بعض المكونات السياسية الذهاب إلى فرض شروط من هنا وشروط من هناك، فهو سيقطع الطريق على ما يسمى تعاظم قوتها في الداخل، تقول مصادر مطلعة لـ”لبنان24″؛ لا سيما وأنّ أحداً لم يعد باستطاعته المكابرة، فسياسة القوة قد تتراجع جراء المشكلات المحلية المتصلة بغياب أي بادرة أمل توحي بتعافٍ اقتصاديّ وماليّ قريب، لتحل مكانها “المرونة السياسية” تجاه الكثير من الملفات العالقة.
لم تصرف الأنظار، المساعدات الأجنبية والعربية للبنان عقب انفجار المرفأ، عن وصول البوارج الحربية وتسابق المجتمع الدولي والدول الإقليمية والخليجية على مساعدة لبنان للخروج من محنته، نظراً لعوامل سياسية استراتيجية تشغل اهتمام كل من فرنسا والولايات المتحدة والإمارات وتركيا وإيران على وجه التحديد، بعيداً عن روسيا التي تفكر بطريقة مختلفة، فاهتمام موسكو منصبٌّ على مرفأي طرطوس واللاذقية، هذا فضلاً عن أنها تعتقد أنّ حصّتها في ظلّ التسابق الحاصل سوف تكلفها في المقابل أموالاً طائلة والوقت الآن ليس سانحاً لذلك، خصوصاً أنّ لبنان قد يكون بمثابة جائزة ترضية لها في المستقبل في ظل نفوذها المتعاظم في سوريا.
وليس بعيداً، فإنّ الأمور بالنسبة للصين التي تعمل وفق مبادرة طريق الحرير ليست سهلة، فهي خاضت تجربة استئجار ميناء حيفا لكنها جوبهت بعرقلة الولايات المتحدة التي هدد رئيسها دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتناياهو بالقول إنّ تعزيز تل أبيب علاقاتها التجارية مع بكين سيعود بالضرر على التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وعليه يمكن القول إنّ الاهتمام الأميركي في لبنان مردّه قطع الطريق على التمدد الصيني على وجه الخصوص أكثر مما هو اهتمام بالوضع اللبناني، فواشنطن لن تترك لبنان لبكين أو لسواها.
وفي ظل تنافس الدول العظمى، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تبدي اهتماماً بالمرافئ من بور عدن، إلى إدارة جزيرة سقطرى، ميناء عين السخنة، صوماليلاند، جن جن وجيجل وغيرها، فضلاً عن إدارتها شركة موانئ دبي في معظم دول العالم، تتطلع أيضاً إلى مرفأ بيروت، فمن يمسك بالتجارة في آسيا (العصب الاقتصادي) يمسك بالسياسة، وهنا يبرز الزخم في العلاقات الإماراتية الفرنسية والتقاء مصالح البلدين ضد تركيا في ملفي مالي وليبيا التي تعد المدخل الجنوبي للقارة الاوروبية، وصولاً إلى منعها من التمدد نحو لبنان.
أمام ذلك، إلى من سيؤول إعمار المرفأ؟
المنافسة سيدة الموقف. المرفأ قد يكون ساحة لصراع دولي – إقليمي؛ ومع ذلك، يمكن القول، بحسب المصادر نفسها، إنّ الولايات المتحدة هي المعنية الأساسية بالمرفأ، وهناك معلومات تتحدث عن تفاهم إماراتي – أميركي ضمني حيال هذا المرفأ لا سيما في ظل ما بات يعرف بالاتفاق الإسرائيلي – الإماراتي برعاية أميركية الذي يقرأ فيه البعض مصلحة لأبو ظبي، انطلاقاً من طموحها الذي يرتكز على المزيد من المشاريع التوسعية في المرافئ الإقليمية والعالمية والتي يجب أن تحظى بغطاء أميركي.
إذاً اللعبة الأساسية، بحسب المصادر، محصورة بين ثلاثة أطراف: فرنسا بين ما تمثل من ثقل أوروبي في لبنان، فهي تعتبره حصتها في الإقليم، وأميركا اللاعب الأكبر، وإيران التي لن تقبل بخسارة أوراقها الاستراتيجية في لبنان. ومن هنا، فإنّ المسار المرتقب يتوقف على ما سيتوصل إليه الأميركيون والإيرانيون في مفاوضاتهم، والتي يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينشط على خط التهدئة بينهما، علماً أنه خالف الاجماع الأميركي لإعادة فرض العقوبات على إيران، لكنه في الوقت نفسه أعجز عن صوغ أيّ تفاهم مع الجمهورية الإسلامية من دون موافقة أميركية.
ومن هذا المنطلق، فإنّ واشنطن التي تبدي اهتماماً كبيراً بقطاع الكهرباء في لبنان أسوة بالعراق وغزة، وشركاتها جاهزة لتطوير هذا القطاع ودعم الاستثمارات المباشرة عن طريق أخذ حصص فيه، لا تبدي حماسة للتدخل مباشرة في إعمار مرفأ بيروت، الأمر الذي يفترض أنّ إعادة إعمار المرفأ سوف تتم على أيدٍ إماراتية وفرنسية بدعم وتأييد أميركي، علماً أنّ هناك عرضاً فرنسياً قُدّم إلى لبنان خلال حكومة حسان دياب لتعزيز الوضع في “البور”. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ إيران التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة، غير قادرة على مدّ يد العون لإعادة إعمار المرفأ، لكنها لن تكون متضررة من المشاركة الفرنسية، فباريس لا تزال تمثل الحصن الأوروبي لطهران.
إعمار المرفأ… هل يكون شراكة فرنسية إماراتية؟
عشية مئوية لبنان الكبير، تغيب الاحتفالات وتكثر الأزمات مع تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتخبط السياسي على المستويات كافة وحتى داخل المحور او الحلف الواحد. فترددات انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، وصلت إلى الخارج، بيد أنّه لم يُحاكِ الداخل الرسمي الذي لا يزال يكابر ويتقاذف المسؤوليات والمراوغة والتزييف للحقائق جرياً على العادة، هذا فضلاً عن أنّه بات يستجدي تدخل الخارج الذي لديه سلّة من شروط على لبنان التسليم والقبول بها، وإلا سيف العقوبات سيكون مسلطاً على من يقرر الاستمرار بسياسة التحدي.