مواقف متضاربة
الورقة الفرنسية لم تحظ بموافقة أفرقاء لبنانيين، وأفرقاء دوليين. وحسب المعطيات تصطدم مساعي إعادة إنتاج سعد الحريري رئيساً للحكومة بعوائق كثيرة.
العوائق الداخلية بفعل الشروط والشروط المضادة. أما الخارجية فبفعل الموقفين الأميركي والسعودي. بينما هناك من يسعى في الداخل لتكليف قريب، على أن يطول التأليف رهناً بالمفاوضات والتطورات.
توتر واستنفار
لكن هذا في وادٍ، ووقائع حياة الناس في وادٍ آخر: احتقان وتوتر في ميادين الحياة كلها، الاقتصادية والاجتماعية، السياسية والأمنية، الأهلية والشعبية.
والاحتقان والتوتر مرشحان إلى التفاقم في المرحلة المقبلة. وقد يكون ذلك بفعل تراكم الحوادث والاستحقاقات
ومن الأمثلة على ذلك، التوتر الذي حصل في الجنوب بين حزب الله وحركة أمل، وأدى إلى قتيل وعدد من الجرحى، ودبيب الهلع في عدد من القرى والبلدات.
وهناك الخوف الشائع والمستبطن في نفوس المسيحيين، وأصبح محتقناً وعلنياً بعد تفجير المرفأ. وما حصل وتردد في الزوق، عن وجود مخزن لنيترات الأمونيوم، وفي بعبدا عن جود مخازن أسلحة، أبرز بوضوح تخوف الأهالي المسيحيين من استهداف هذه المخازن أو تفجّرها لاسباب مجهولة.
وهناك أيضاً مشهد حشد مشيِّعي جو بوصعب في منطقة فرن الشباك وعين الرمانة، وهم يطلقون نيران البنادق والمسدسات في التشييع. وهذه هي المرّة الأولى التي يطلق الرصاص بغزارة في هذه المناطق، ما يعني اتساع رقعة الاستنفار والتوتر.
وكأنما هناك من يعمل على توتير الأوضاع والأجواء الطوائفية، والتي تتمحور حول الخوف من حزب الله وسلاحه وقوته الفائضة. وهذا يوسِّع الشرخ بين البيئات والمكونات اللبنانية وبيئة الحزب، سواء في الساحة الشيعية، أم في الساحات الأخرى، المسيحية والسنية والدرزية.
الخوف والتوتر المسيحيان
لكن الأهم هو حال المسيحيين وموقفهم من حزب الله. فتغير المزاج المسيحي صار واضحاً، بل كبيراً وهائلاً، بناءً على مواقف البطريرك بشارة الراعي، ونتيجة الكارثة التي حلت بأحياء بيروت المسيحية، والناجمة عن انفجار المرفأ.
وقد وصل هذا التغيير إلى بعبدا، وعبّر عنه ما جرى في بلديتها واستقالة أعضائها
وهنا لا حاجة للدخول في تفاصيل ما جرى بين أعضاء المجلس البلدي، الذين استدعتهم مخابرات الجيش، على خلفية “ترويجهم شائعات أسرائيلية”، ونفيها وجود صواريخ في منطقتهم.
لكن ذلك لم ينجح في تبديد مشاعر الخوف، والذي يبدو أنه نموذج آخذ بالاتساع في المرحلة المقبلة. وهذا يدخل في سياق الحروب النفسية والمعنوية، حسب منطق حزب الله.
بين برّي وعون
وهذا التوتر الشعبي، لن يكون منفصلاً عن توتر سياسي مقبل، بفعل الاستحقاقات: ترسيم الحدود، عمل قوات الطوارئ الدولية، المساعدات وكيفية تسليمها للبنان، مع التشديد على عدم تسليمها للسلطات اللبنانية.
في ملف ترسيم الحدود، يبدو واضحاً حجم التنازع السياسي عليه. فالرئيس نبيه برّي يعتبر أنه أنجهز مهمّته في وضع اتفاق الإطار، لتنتقل المهمة في ما بعد إلى السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية. وهذا في انتظار جواب إسرائيلي قد يحمله ديفيد شينكر في الأيام المقبلة، ليتحدد موعد إعلان اتفاق الإطار، على أن تبدأ مفاوضات الترسيم رسمياً بمتابعة من رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش والحكومة.
شرخ عوني – شيعي
وهذا يعني عملياً انتقال الملف من يد برّي إلى يد رئيس الجمهورية. وهذا مسعى بدأ يعمل عون عليه منذ مدة، وكان مدار تشدد الأميركيين، على قاعدة أن برّي لن يكون قادراً على تقديم أي تنازل في الجنوب. بينما عون تدفعه حساباته الحالية والمستقبلية لتقديم التنازلات المطلوبة.
وفي هذا السياق يبدو عون مزهواً باتصال ترامب به، وتعامل ماكرون المميز معه على حدّ قوله. وهو يريد الاستثمار في ذلك، فيقدّم شيئاً يحصل على ما يقابله في السياسة.
لكن حقيقة الأمر أن الهدف الأميركي واضح: العمل على تعميق الشرخ بين عون وحزب الله، أو بين البيئتين العونية والشيعية، في الحد الأدنى
هذه الاستحقاقات تفوق أهميتها التكهنات حول تشكيل الحكومة، ومساجلاتها اليومية. وأي حكومة لن تكون إنجازاً بحد ذاتها، بل مقدمة لاستحقاقات أكثر دقة وعمقاً، في الملفات المالية والاقتصادية والسياسية والحدودية والعسكرية.
والكلام الجدّي يبدأ بعد تشكيل الحكومة. ومن الآن وإلى الانتخابات الأميركية، لبنان أمام محطّات بالغة الدقة والخطورة.