المشاورات الحكومية تراوح مكانها… الكل يسعى لتحسين الشروط وانتظار الضوء الأخضر الخارجي

22 أغسطس 2020
المشاورات الحكومية تراوح مكانها… الكل يسعى لتحسين الشروط وانتظار الضوء الأخضر الخارجي

لا حكومة في الأيام المقبلة، ولا توافق على اسم الرئيس وبرنامج عمل حكومته؛ تلك هي أجواء الاجتماعات السياسية في الأسبوع الماضي. 
فعلى الرغم من محركات الرئيس نبيه بري التي دخلت بقوة على خط تأليف  الحكومة، الاّ ان كل الجهود التي بذلها لم تصل حتى الساعة الى اي نتيجة ملموسة، لا سيما الاجتماع الذي عقده أمس مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والذي أتى بنتائجه سلبياً خصوصاً وان باسيل رافض وبشكل قاطع لتسلم الرئيس سعد الحريري للحكومة المقبلة.

لقاء بري – باسيل
اذا، ما زالت كل الأمور عند النقطة الصفر، فالأحزاب التي سبق لها التوافق على حكومة حسان دياب وقبله سعد الحريري، وفشلت في الحكومتين، تحاول اليوم مجدداً تأليف حكومة. لكن مجموعة من الخلافات تؤخر هذا الاتفاق، أولها على اسم رئيس الحكومة المقبل، ثانيها شكل الحكومة و”طبيعة” وزرائها، ثالثها برنامجها. يحصل ذلك في ظل غياب كلمة مرور أميركية واضحة بعد في ما خص اسم الرئيس المقبل، في ظل فيتو سعودي على سعد الحريري. “السلبية” خيّمت أيضاً على الاجتماعات السياسية الأخيرة، ومن ضمنها لقاء عين التينة أمس الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري برئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وانضمّ اليه المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل والمعاون السياسي لبري علي حسن خليل. ففيما يتمسك بري بعودة الحريري من منطلق أن “المرحلة استثنائية وتستوجب وجوده من أجل الإنقاذ واتخاذ القرارات”، مشيراً الى ضرورة تأليف حكومة اليوم قبل الغد، يرفض باسيل هذا الطرح بناءً على تجربته السابقة مع الحريري، ويصرّ على “تحديد برنامج عمل الحكومة الجديدة ومهمتها السياسية والاصلاحية” قبيل الانتقال الى اسم الرئيس. وعليه، أكد المجتمعون استكمال المشاورات والاتصالات، وسط تأكيد لرفض اسم نواف سلام. وجرى الاتفاق على تحديد ما هو المطلوب من الحكومة، وعلى ضوئها يصار الى الانتقال نحو النقاش بباقي التفاصيل. لذلك، سيعقد اجتماع ثان في الأيام المقبلة بين الخليلين وباسيل لإعداد ورقة “المهمات الملقاة على عاتق الحكومة”، بعد أن اعتبر بري أن الثلاثة باستطاعتهم التوافق عليها خلال يومين أو ثلاثة. وعلمت “الأخبار” أن اللقاء تطرق الى “ورقة المطالب الفرنسية”، من دون الغوص في التفاصيل، لكن الأكيد أن الأطراف المجتمعين عبّروا عن رفضهم ما نصت عليه الورقة، لأسباب مختلفة.

وفي هذا الإطار، كشفت المصادر أنّ بري “طلع الشعر على لسانو” طيلة نحو ثلاث ساعات وهو يحاول لفت انتباه رئيس “التيار الوطني” إلى أنّ “الضرورات الوطنية الراهنة تقتضي تسمية الحريري باعتباره رجل المرحلة الذي يمكن أن يتصدى لمقتضياتها محلياً وعربياً ودولياً”، غير أنّ باسيل استمر على رفضه المطلق لتسمية الحريري، مبرراً ذلك بأنّ الشروط التي يضعها لتشكيل حكومة تكنوقراط “لا يمكن لرئيس الجمهورية السير بها”. وأشارت المصادر في المقابل إلى أنّ “عون وباسيل يحاولان تسويق لائحة تضم أسماء قضاة وموظفين رفيعي المستوى من الشخصيات السنية لدى الثنائي الشيعي لقطع الطريق على عودة الحريري، لكنّ بري ومعه “حزب الله” لا يزالان غير مقتنعين بإعادة “مغامرة حسان دياب” ذاتها التي أفضت إلى ما أفضت إليه من فشل ذريع”.

وأرخى فشل لقاء عين التينة في التوصل الى اتفاق أجواء ثقيلة على مجمل الاستحقاق الحكومي ولم يخف الرئيس بري مساء “انزعاجه الشديد واستياءه بعدما فرطت اماله في اقتراب موعد بت التكليف والتأليف تحت وطأة فيتوات الأطراف”.

ولفتت مصادر متابعة للاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة أن النائب جبران باسيل لم يحمل امس اجوبة نهائية على المبادرة التي طرحها الرئيس بري على رئيس الجمهورية ميشال عون الاسبوع الماضي وضمنها رؤيته لتشكيل حكومة اخصائيين “تكنوقراط” تضم شخصيات مشهود لها برئاسة سعد الحريري ولخصت ما دار في اللقاء المطول بالقول: ان باسيل حاول كعادته الدوران حول الموضوع وتجنب إعطاء جواب رئيس الجمهورية على موضوع ترؤس الحريري للحكومة المقبلة بالتساؤل عن موقف القوات وجنبلاط من هذا الترشيح تارة وموقف السعودية والولايات المتحدة الأميركية تارة اخرى.

وبالرغم من تشديد الرئيس بري اكثر مرة على ان اي حكومة جديدة  برئاسة  اي  شخصية غير الحريري لا يمكنها أن تقلع لمواجهة الاوضاع الصعبة وحل الازمة المعقدة، الا ان باسيل كان ينقل النقاس الى شكل الحكومة حينا او الى بيانها الوزاري ووجوب ان يشمل برنامج وثوابت العهد بالاصلاح ومكافحة الفساد وما إلى ما هنالك من شعارات يحرص على تنفيذها عون فيما تبقى من ولايته حينا اخر  لافتا الى ان تكوين رؤية متكاملة عن الموضوع يتطلب توسيع مروحة المشاورات لتشمل جميع القوى السياسية، وهو ما فهم منه المشاركون باللقاء بأن الفريق الرئاسي يحاول التملص من إعطاء اجوبة نهائية ويريد المناورة وكسب الوقت على أمل ان يستطيع من خلال ذلك التأثير بشكل أو بآخر على صرف النظر عن تسمية الحريري والتحول لتسمية شخصية اخرى تتمتع بمواصفات التكنوقراط باعتبار ان مكونات الحكومة من هؤلاء وبالتالي من الافضل ان يكون رئيسها من ضمنهم لتفادي نقمة الشارع وغيره.

من جهة أخرى، تشير مصادر مطلعة إلى أن إصرار بري على حكومة سياسية أو “تكنو سياسية”، غير مرغوب فيه من جانب الحريري نفسه. فالأخير متمسك بالشروط التي أعلنها غداة استقالته بعد انتفاضة 17 تشرين، أي حكومة يؤلفها بنفسه من دون عودة الأقطاب السياسيين. وتلك شروط مطلوبة سعودياً لرفع الفيتو عن الحريري. فالرياض، ما زالت غير راضية عن أداء الحريري، وهو ما يعبّر عنه كل من رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع وبدرجة ثانية رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. وتشترط معمودية سياسية لقبوله مجدداً، فيما هو غير قادر على تحقيق المطلب الرئيسي بعدم تمثل حزب الله في التشكيلة المقبلة، وغير قادر أيضاً على العودة بوجود الفيتو السعودي. أما عون، “فلن يفرّط في ورقة التكليف على أبواب نهاية عهده قبيل التأكد من جدية المكلّف وعزمه على التأليف في فترة قريبة”. وتشير المعلومات الى أنه تم التطرق الى مجموعة أسماء يُعتقَد أنها مقبولة شعبياً، من دون أن يتم التوافق على أيّ منها، وفي ظل رفض الأسماء المطروحة نفسها قيادة حكومة في وضع منهار كوضع البلد الحالي.

وأمام هذا الواقع، تؤكد المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ البلد يسلك مجدداً طريق “المراوحة القاتلة”، لكنّ بري الذي كان يريد من خلال اجتماع الأمس الوصول إلى شيء ملموس قبل عودة الرئيس الفرنسي إلى بيروت “لن يستسلم بل سيستكمل لقاءاته ومشاوراته وقد يلتقي الحريري في عطلة نهاية الأسبوع للتشاور معه في إمكانيات ترؤسه الحكومة العتيدة وإبلاغه استعداد الثنائي الشيعي لتسهيل مهمته إلى أقصى الحدود والتجاوب مع طرحه في تأليف حكومة من غير الحزبيين”، مشيرةً إلى أنّ “رئيس المجلس ينطلق من قناعة تامة لديه بأنّ الحريري بما يملك من حيثية داخلية وقدرة على التواصل والاتصال مع دول العالم هو وحده القادر على تأمين المساهمة الفاعلة في انتشال البلد من المأزق الذي يمرّ به في حال تعاون جميع الفرقاء المحليين معه”، وختمت: “يبدو أنّ عون وباسيل لم يلتقطا بعد إشارة “حزب الله” بإيكال ملف التفاوض في الشأن الحكومي إلى بري، مع ما تعنيه هذه الإشارة من أنّ الحزب بات أقرب إلى عين التينة من قصر بعبدا في مقاربة هذا الملف”.

في المقابل، أكدت أوساط قريبة من بعبدا ان عون في انتظار ان تنتهي المشاورات السياسية الجارية في اكثر من اتجاه لا موعد بعد للدعوة الى استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس الحكومة المقبل.

وقالت مصادر مواكبة للاتصالات ان هناك افرقاء لم يعلنوا بعد مواقفهم في ظل تسريبات تحتاج الى توضيح قبل اتخاذ قرار الدعوة الى استشارات التكليف. ولكن هذا لا يعني ان لا امكان للدعوة اليها الاسبوع المقبل اذا توافرت عوامل اضافية توضح مواقف الكتل من هوية الشخص الذي سيتولى رئاسة الحكومة.
واوضحت المصادر ان الرئيس عون “يتجه الى تمثيل المنتفضين اقتناعاً منه بمشاركتهم بورشة الاصلاح التي ستقوم عليها مهمات الحكومة العتيدة الى جانب مكافحة الفساد وهي عملية صعبة وانجاحها يوجب تمثيل كل الأطراف”.

حزب الله يسهل
في الموازاة، لفت قيادي بارز في 8 آذار الى ان حزب الله سيسهل أمر تشكيل حكومة برئاسة الحريري أو من يسميه، ولا مشكلة في طريقة تمثيله بالحكومة، لكن العقدة ان الحزب لن يسير بانتخابات نيابية مبكرة، ان الوقت لا يسمح بانتاج قانون انتخاب أو التوافق على العملية الاجرائية في ظل الضغوطات الداخلية والخارجية الحاصلة.

وفي التفاصيل حسب هذا القيادي، يمكن التأكيد بان اتجاه القوى الاساسية في الداخل والخارج هو لحكومة مصغرة مهما كان شكلها سواء “تكنو-سياسية” او “سياسية” او  حكومة “اقطاب” ويمكن تسجيل بعض النقاط هنا:

اولا: ان خيار حكومة الاقطاب لم يسقط من التداول، ولكن هناك فيتو خارجي عليه، فضلا عن ان بعض القوى الاساسية في الداخل لا تستسيغ هذا الخيار.

ثانيا: اذا فشلت المساعي بتشكيل حكومة سياسية لا سيما ان هكذا حكومة لا يمكن ان يتقبلها الشارع اللبناني، فان التوجه والخيار الاكثر قبولا في الداخل والخارج هو نحو تشكيل حكومة “تكنو-سياسية” جامعة يراسها الحريري او من يسميه.

ثالثا: ان عودة الحريري على راس اية حكومة “سياسية” او “تكنو-سياسية” لا يمكن ان يكون مشروطا بعدم توزير رئيس التيار الحر جبران باسيل، علما، ان الاخير  يبدي مرونة في عدم المشاركة شخصيا باية حكومة.

الاستشارات الاسبوع المقبل
وتوقعت مصادر مطلعة لـ”اللواء” ان تتم الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة الأسبوع المقبل  اذا توافرت عوامل توضح مواقف الكتل من هوية الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة. واكدت ان المشاورات قائمة وسيحصل تقييم لمسار الأمور وخصوصا لمواقف الأطراف التي لم تعلن بوضوح.ِ

وافادت ان هناك تسريبات كثيرة لا بد من توضيحها قبل اتخاذ القرار  بالدعوة للاستشارات لكن لا يعني ذلك انها ستتأخر.

ورأت المصادر ان كل ما يتصل بالأسماء سابق لأوانه، موضحة ان رئيس الجمهورية يتجه الى تمثيل صوت الشارع المنتفض لأنه يرى من الضرورة ان يشارك المنتفضون في ورشة الاصلاح التي تدخل في مهام الحكومة العتيدة وكذلك مكافحة الفساد التي تعد عملية صعبة وتستدعي مشاركة الجميع فيها. 

اما من يمثل المنتفضين، فتقول المصادر ان هناك وجوها معروفة تحظى بثقة المنتفضين وتستجيب لدعواتهم وتلتقي مع رغبتهم ولذلك فإن رئيس الجمهورية سيأخذ في الاعتبار هذا الأمر في تشكيل الحكومة كاشفة عن تواصل يتم بين رئيس الجمهورية وهذه الشخصيات التي تعكس مواقف المنتفضين.

الورقة الفرنسية
وتشير المصادر الى ان كل حديث عن اسماء سابق لاوانه، والفرنسيون قدموا مقترحات بمثابة ورقة يعتقدون انها تفي بالغرض في ملف الإصلاحات وهذه المقترحات وليدة تشاور بين الرئيس ماكرون وعدد من القيادات السياسية، وهي تشكل اطاراً للبحث من اجل ان تكون الحكومة الجديدة “حكومة ذات مهمة” متناغمة معها برئيسها واعضائها خصوصا وانها تغطي النواحي الاقتصادية والمالية والانمائية والسياسية وتحظى بدعم المجتمع الدولي.

وتشير المصادر الى ان هذه الورقة وصلت للاطراف السياسيين وتدرس وفيها نقاط كثيرة تمثل تطلعات المنتفضين ومقسمة الى اكثر من باب وتترك المجال مفتوحا امام القيادات اللبنانية لتقول كلمتها فيها.

وتقول المصادر أنه عندما تتوضح مواقف الاطراف من بنود هذه الورقة تكون الخطوط العريضة لعمل الحكومة الجديدة قد بتت خصوصا في ما خص الاصلاحات والنهج السياسي في المرحلة المقبلة، ومن البديهي ان يحرك ذلك التزام الاطراف الدولية المعنية بـ”مؤتمر سيدر” او بعقد مؤتمر مماثل يكون مكملا لما ورد في “سيدر” والذي ابدى الفرنسيون استعدادا لتنظيمه بعد الحصول على ضمانات التزام الافرقاء الاصلاحات.