عندما وقعت كارثة تفجير مرفأ بيروت كان أغلب الظن أن مصيبة اللبنانيين ستجمعهم وسيشكل المصاب قوة دفع للسياسيين كي يتداعوا الى كلمة سواء إنقاذية. ومع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعزز الأمل بالإنفراج خصوصاً وان الأم الحنون فعلت ما عجز عن فعله كثيرون بجمع خصوم السياسة الى طاولة واحدة. لم تصدق نبوءة اللبنانيين قبل التفجير باعتقادهم ان حدثاً كبيراً سيعيد المسؤولين الى رشدهم. حصل ما هو أخطر ومع ذلك حافظ كل طرف على تموضعه واليد على زناد الحقد والكراهية. المراقب لسير التطورات الإقليمية والدولية يستنتج ان لبنان ليس إلا تفصيلاً صغيراً في المشهد الكبير. وغالباً ما يكون حل مشاكله صدى لصفقات كبرى تجرى من حوله، وعين اللبنانيين على العلاقة الايرانية – الاميركية وما يجري في العراق من تغيرات لها خلفياتها السياسية على مستوى هذه العلاقة.
نعيش اليوم حركة مشاورات نشطة لكنها سلبية النتائج بمجملها. يصر رئيس مجلس النواب نبيه بري على ترشيح الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، بينما الاخير يعتبر أن حكومته تحتاج توافقاً سعودياً أميركياً وفرنسياً. يُبلغ رئيس “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بري عبر الوزير الاسبق وائل ابو فاعور رفضه ترشيح الحريري، فيغضب بري ويقرر الاعتكاف ويرفض التوسط لحل مشكلة بينه وبين “حزب الله” على خلفية مشكل في الشويفات. على مقلب المرشحين المحتملين يرفض الرئيس تمام سلام عرضاً لرئاسة الحكومة ويقول للحريري ولماذا أقبل بما لم تقبل به أنت. بينما يحاول الرئيس السابق نجيب ميقاتي خلف الكواليس جس النبض لعودته الى رئاسة الحكومة فيفاجأ بأن زمنه الاول تحول وأي طرف قبل به في الماضي غير مستعد لتكرار قبوله اليوم.
وفي حين باشر رئيس الجمهورية دراسة موعد الدعوة الى استشارت نيابية والذي لن يكون بعيداً، يستمر بري في مساعيه للترويج لترشيح الحريري، يحاول إقناع “التيار الوطني الحر” فيلتف رئيسه بالحديث عن حكومة اصلاحات فلا يسمي الحريري ولا يرفضه بالمطلق كي لا يزعل بري، الذي ربما يرى ان الحل الاسلم هو بجمع الحريري مع باسيل برعايته. فهو سبق وجمع الاشتراكي مع “حزب الله” برعايته ايضاً. لكن هل هذا الاحتمال وارد؟
يقول واقع الامر ان مجرد اللقاء تعتريه عقبات على مستوى القراءة العربية والدولية التي تدفع الحريري إلى عدم اللقاء مع باسيل، فضلاً عن أن العمل مع باسيل بالنسبة للحريري لم يعد مشجعاً. ويضاف إلى ذلك، أن المجتمعين الدولي والعربي قد يوافقان على وجود “حزب الله” في الحكومة لكنهما لن يرضيا بوجود باسيل أو إعطاء اي ورقة تعوّم عهد الرئيس ميشال عون.
وعلى جبهة رئيس “التيار الوطني الحر” يعتبر ان الخلاف مع الحريري ليس خلافاً شخصياً وانما هو خلاف بالسياسة بين ذهنيتين مختلفتين ووجهتي نظر ورؤيتين، بدليل ما شهدته الحكومة السابقة والتي كانت تجربة غير مشجعة. هذا من دون ان نتحدث عن السلبية التي تعتري علاقة عون مع الحريري.
يرى البعض إستحالة لقاء الرجلين مجدداً لا سيما وان حربهما المفتوحة لا تزال مستمرة. فضلاً عن ذلك يجزم العالمون ببواطن الاتفاقات السياسية ان كل الحوارات كانت تجري في الماضي بمباركة السعودية، سواء تلك التي استضافها بري او رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ومثل هذه المباركة غير متوافرة اليوم ما يجعل اللقاء استحالة. ولكن هذا لا يمنع وجود متحمسين لمثل هذا اللقاء لمساهمته في تنفيس التشنج الداخلي وان اتفاقهما يؤمن تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن. باعتقاد المحاولين لترميم الصدع في هذه العلاقة انه لا يمكن للحريري ان يكون رئيساً للحكومة بينما تربطه علاقة عداوة مع رئيس أكبر تكتل نيابي. والسؤال هنا من يجرؤ على طرح مثل هذه المبادرة خصوصاً أن ابواب الحريري موصدة أمام باسيل؟