لا يمكن قياس لبنان بأهميته السياسية والجغرافية بحجم مساحته أو بقوة إقتصاده فقط، فهذا البلد يحتل حالياً الإهتمام الدولي، وقد ارتفع منسوب هذا الإهتمام بعد زلزال 4 آب، حيث سارعت الدول إلى تقديم مساعدات للشعب اللبناني وليس للسلطة، لأن الثقة بهذه السلطة مفقودة.
وفي هذا الإطار، لا تريد موسكو ترك الساحة اللبنانية من دون أن تكون لها كلمة، على رغم معرفتها أن لبنان ميوله غربية والشعب اللبناني متأثر بالثقافة الأوروبية، كما أن واشنطن تعتبر أن هذا البلد من أهم مراكز نفوذها الشرق أوسطية. وفي هذا المجال، تتحدث المعلومات الخاصة بـ”نداء الوطن” عن وجود إهتمام روسي كبير بلبنان، وقد أجرى مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف سلسلة إتصالات بالرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وشخصيات، كما أن رئيس الجمهورية ميشال عون قد أرسل موفداً إلى موسكو هو النائب السابق أمل أبو زيد للقاء بوغدانوف ودراسة الأوضاع عن كثب.
وتبدي روسيا قلقها الشديد بشأن المستجدات الأخيرة في لبنان وهي تعتبر أن الأوضاع مفتوحة على كل الإحتمالات سواء داخلياً أو على مستوى المنطقة، وصولاً إلى إمكانية حدوث مواجهة شاملة في أي لحظة.
ووسط التنافس الدولي الحاد على أرض لبنان، تشكك موسكو بمدى فعالية المبادرة الفرنسية وتتساءل حول مدى جدوى تحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيارته الثانية المرتقبة الى بيروت إن تمت في الاول من أيلول، خصوصاً بعد الضجة الإعلامية المبالغ فيها حول زيارته الأولى وتحركاته.
ومثل جميع الدول الحريصة على لبنان، تنظر موسكو بعين الريبة إلى ادارة الملف الحكومي، وهي مقتنعة بأن حكومة اللون الواحد في لبنان يستحيل أن تنجح، لذلك تدعو دائماً الى ضرورة إتفاق كل الأفرقاء السياسيين من خلال الحوار والتفاهم بعيداً من الضغوط والتدخلات الخارجية ،على تشكيل حكومة مقبولة من أكبر شريحة سياسية ممكنة تكون مهمتها الأولى وضع الخطط اللازمة لإنقاذ الوضع الإقتصادي المتردي، الذي يهدد إستقرار البلاد والسلم الأهلي لأن هذا الموضوع يقلق موسكو كثيراً، خصوصاً في ظل الأوضاع المتفجرة في سوريا والمنطقة عموماً.
ويبدو أن الصورة تتعقّد أكثر بالنسبة إلى الحكومة الجديدة، لكن موسكو تدعم مبدئياً عودة الرئيس الحريري التي تربطها به، وقبله مع والده الشهيد رفيق الحريري، علاقات صداقة على مستوى القيادات العليا، أي بوتين نفسه، وهي ترغب بعودته إلى سدة رئاسة الحكومة، ولكنها تربط ذلك بضرورة التوافق الداخلي الضروري لنجاحه، لكنها تشكك حالياً في إمكانية تحقيق هذا الشرط.
وعلى رغم قتالها في سوريا إلى جانب النظام السوري ومساندة إيران لهذا النظام، إلا أن علاقات مميزة للغاية تربط روسيا وإسرائيل وقد رحبت موسكو باتفاق السلام الأخير بين الإمارات العربية المتحدة وتل أبيب، وتدعم في نفس الوقت الموقف الفلسطيني ولكنها تعتبره غير منطقي في معارضته لاتفاق بعض الدول العربية مع إسرائيل، خصوصاً وأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أبرم اتفاق أوسلو للسلام مع إسحاق رابين من دون أن ينتظر إجماعاً عربياً أو موافقة الآخرين.
وأمام كل ما يحصل في المنطقة، تُبقي روسيا على تحذيرها الشديد للقادة اللبنانيين، إذ تعتبر أن رياح المواجهة قد تعصف بلبنان وتكون نتائجها أسوأ من إنفجار 4 آب، وهي وإن كانت ترفض التدخل في الشؤون الداخلية إلا أنها لا تزال تعتبر أن القادة لم يرتقوا بعد إلى مستوى المسؤولية، وإلا كانوا قد سارعوا إلى وضع خطة إنقاذية تُجنّب الإنهيار المحتّم.