جو عيسى الخوري
عندما يتعلق الأمر بالاستثمار العقاري، قد يختلف سعر قطعتين متطابقتين من الأرض في نفس المنطقة بسبب إجمالي مساحة البناء المسموح بها (حقوق الهواء أو عامل الإستثمار) والتي قد تختلف من أرض إلى أخرى.
إن العديد من المنازل القديمة التي تختزن تراث بيروت، قد تم بناؤها على أراض يمكن لمالكها، إذا قام بهدم المنزل، تشييد مبنى بمساحة تبلغ عدة أضعاف مساحة المنزل الحالي.
وقد كثر النقاش في الماضي حول كيفية الحفاظ على هذه المنازل التراثية، وبالتالي منع أصحابها – الذين يحتاجون في كثير من الحالات إلى المال – من بيعها، وكيفية السماح للمالكين بالاستفادة من قيمة الأرض المرتفعة.
في معظم مدن العالم المتطور، يُسمح لمالكي العقارات ببيع أي مساحة مسموح بتطويرها على ممتلكاتهم ولكن لم يتم بناؤها (عامل الإستثمار الإضافي)، لمستثمرين يمكنهم الاستفادة من هذه المساحة غير المستخدمة من خلال زيادتها على مساحة تطويرهم العقاري في مناطق محدّدة.
على سبيل المثال: لنفترض أن على 500 متر مربع من الأرض في الأشرفية تم هدم منزل قديم مساحته المبنية 300 متر مربع. لنفترض أيضًا أن المنطقة التي تقع فيها الأرض تسمح للمالك ببناء خمسة أضعاف مساحة الأرض، أي في هذه الحالة 2500 متر مربع (عامل الإستثمار).
تبلغ قيمة هذه الأرض ما لا يقل عن 4 ملايين دولار بناءً على الأسعار الأخيرة البالغة 1600 دولار لكل متر مربع من المساحة المبنية أو “متر الهوا”. إن عامل الإستثمار الإضافي هو الفرق بين ما يمكن بناؤه (2500 م²) وما هو مبني حاليًا (300 م²) أي ما يعادل 2200 م² وهي المساحة المسموحة ولكن الغير مبنية.
إذا كان بإمكان مالك المنزل بيع 2200 متر مربع بسعر 1600$ لـ”متر الهوا”، فسيحصل على 3,5 مليون دولار، شرط أن يستخدم جزءًا من هذا المبلغ لإعادة بناء منزله بمساحة 300 متر مربع والذي سيكلفه حوالي 600,000 دولار.
باختصار، سيعيد المالك بناء المنزل التاريخي بتكلفة 600.000 دولار، ويحتفظ بـ 3 مليون دولار، كما سيحصل المستثمر على امكانية إضافة 2200 “متر هوا” إلى تطويره العقاري في منطقة تحددها السلطات المختصّة.
في الماضي وبهدف المحافظة على المنازل التراثية، قام بعض الناشطين باقتراح مماثل الّا أنه لم يلق تجاوباً. المأساة التي نمرّ بها هي فرصة لتبنّي هكذا اقتراح. إذا لم يكن القطاع الخاص مستعدًا حالياً لأخذ المبادرة والاستثمار، وهذا محتمل نظراً للوضع الحالي للسوق العقاري، من المجدي التوّجه الى بعض المنظمات الدولية القادرة على تأمين التمويل المناسب للاستحواذ على عامل الإستثمار الإضافي والذي يمكنهم بيعه عندما تسمح ظروف السوق بذلك.
بعد كارثة الرابع من آب المأساوية التي عصفت ببيروت، سيحث الدمار الذي أصاب العديد من العقارات التراثية أصحابها على بيعها، حيث لا يملك معظم هؤلاء الأموال الكافية لترميمها.
إحدى الوسائل لاحتواء امكانية البيع العشوائي هي في إصدار سريعاً مرسوم – قانون يسمح للمالكين ببيع عامل الإستثمار الإضافي بشرط استخدام جزء من العائدات لترميم ممتلكاتهم المتضررة واعادتها كما كانت. يمكن استخدام عامل الإستثمار الإضافي من قبل مطوّري العقارات في مناطق محددة تحددها السلطات المختصّة. هذه هي أفضل طريقة للحفاظ على الممتلكات التراثية مع السماح لأصحابها بالبقاء في منازلهم والاستفادة من العائدات التي يتلقونها من بيع عامل الإستثمار الإضافي.
“تراث الماضي هو البذرة التي تولد حصاد المستقبل”.
لنحافظ على تراث بيروت كي نعيد بناء مستقبلها المجيد…!