لودريان: اختفاء الدولة
ليس تفصيلاً أن يخرج مسؤول فرنسي يطلق هذا الموقف، قبل أيام من زيارة رئيس فرنسا لبنان. لا شك أن في الموقف تحفيز للقوى اللبنانية لاتخاذ خطوات جدية سريعة للخروج من الأزمة: تشكيل حكومة مقبولة محلياً ودولياً. لكن هذا لا ينفي المخاطر الحقيقية التي تحدق بلبنان، المهدد بالتقسيم أو الفدرلة، أو بالذوبان في خرائط جديدة، وفق المشاريع المتضاربة في المنطقة.
زيارة ماكرون
تريد باريس للبنان أن يحافظ على نفسه. وماكرون يصرّ على أن تتزامن زيارته بإنجاز، ولو كان شكلياً: تكليف شخصية رئاسة الحكومة، فلا يكون حضوره خالياً وعبثياً.
اختلاف المواقف الفرنسية عن الأميركية واضح. واشنطن لا تريد أن تفاوض. وباريس تعمل وتسعى للوصول إلى شبه تسوية لا تكون مرفوضة من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية. وهي تكثيف ضغوطها للتوافق على اسم مقبول لرئاسة حكومة يحوز ثقة المجتمع الدولي.
حزب الله مقتنع بضرورة تسريع إنجاز الاتفاق. فهو يعلم أن تقديمه تنازلات قاسية في هذه المرحلة، قد تقيه المزيد من المصاعب والتعقيدات والانهيارات في البلاد. ولبنان قادر على أن يكون متنفساً للحزب، إذا ما فتح المجال أمامه للتنفس.
باريس لا تهتم بالأشخاص، بل بتوجهاتهم. وحزب الله لا يزال يفضل الحريري، ويقدم له الكثير من التسهيلات والتنازلات: إقناع رئيس الجمهورية وجبران باسيل به، والتنازل عن وزارة المال، مثلاً. لكن الحريري لن يكون قادراً على العودة من دون ضمانات دولية.
اليونيفيل ومجلس الأمن
زيارة ماكرون تسبق جلسة مجلس الأمن الدولي للتجديد لقوات اليونيفل. والفرنسيون يريدون الحفاظ على وجود القوات الدولية ودورها، مع تعديلات طفيفة في مهامها، على الرغم من عدم ارتقائها إلى مستوى المطالب الأميركية.
ينص المشروع المقدم لمجلس على تخفيض عديد قوات اليونيفيل من 15 ألف إلى 13 ألف، مع عدم توسيع نطاق عملها، مقابل تعزيزها ببعض أجهزة الرصد وطائرات الاستطلاع، على أن يكون التجديد لها لمدة ستة أشهر وليس سنة.
وهذا إضافة إلى السماح لها بالدخول إلى مواقع كانت ممنوعة من الدخول إليها، للتحقيق بأي حدث أمني يحصل. وهذا البند سيكون موضع نقاش بين الدول، حول الدخول إلى هذه المواقع بعد حصول حدث أمني، أم من دون حدوثه. أي السماح لليونفيل بالدخول إلى مناطق ومواقع كان حزب الله يرفض السماح بالدخول إليها.
منع حزب الله من الرد
لا ينفصل هذا الاستحقاق عن موقف سيطلقه أمين عام حزب الله في عاشوراء، للكشف عن حقيقة ما حصل في الجنوب ليل الثلاثاء – الأربعاء الماضي.
ما أصبح ثابتاً حسب المعلومات، هو أن عناصر ومقاتلي حزب الله في حال استنفار دائم للرد على مقتل أحد عناصر حزبهم في سوريا. وهم يعملون منذ أسابيع على الرصد والمراقبة والتحضير لاختيار أي هدف يكون ملائماً لهم.
وليل الإثنين – الثلاثاء اشتبه الإسرائيليون بحركة لعناصر الحزب في تلك المنطقة، حيث كانوا يحضرون لتنفيذ عملية
فسارع الجيش الإسرائيلي المستنفر أيضاً إلى الرد بكثافة وعنف وبعشرات القذائف الصاروخية والحارقة، مستهدفاً مواقع عديدة لإفشال أي ردّ عسكري. وفي ذلك كرس الإسرائيليون معادلة تصب في صالحهم: ردع حزب الله ومنعه من الردّ.
نصرالله: رصاصة مقابل رصاصة
وهذا هو الأمر الحساس الذي تحدث عنه نصر الله. فحسب المعلومات يعمل نصرالله على طرح معادلة جديدة في عاشوراء، تعيد إنتاج قواعد الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي: لا يمكنه الردّ على عملية إطلاق رصاص مثلاً، بقصف موسع بالقذائف الصاروخية على الأراضي اللبنانية، ويسعى إلى تدمير مواقع.
وكما كانت معادلة ضربة مقابل ضربة، سيطرح نصر الله معادلة رصاصة مقابل رصاصة. وإذا ما تجاوز الإسرائيلي الرد على رصاص حزب الله بغير الرصاص، فإن الحزب سيرد على القصف بالقصف.
قد يشكل هذا عامل ردع فعلي، أو عاملاً مؤسساً لاستفزازت قد تتطور وتتسع، حسبما تقتضي الحاجة الإقليمية والدولية، وعلى مشارف الانتخابات الأميركية.
هذه المعادلات والاستحقاقات، لم يعد يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر. وهي ستصب بشكل أو بآخر في سياق الرؤية الأميركية لحلّ الأزمة اللبنانية: حلّ الملفات كلها بشكل مترابط، وليس تقسيمها على مراحل وفق الرؤية الفرنسية.