واذا قيست الاستشارات النيابية الملزمة التي حددت رئاسة الجمهورية مواعيدها يوم الاثنين المقبل بالمسافة الزمنية القصيرة المتبقية أمامها، فيمكن القول قبل يومين من إجرائها انها من اكثر الاستشارات اثارة للغموض والتشويش والشكوك، ما لم تطرأ حتى صباح الاثنين تطورات نوعية او مفاجئة. ذلك ان تحديد مواعيد الاستشارات الاثنين المقبل كما كان متوقعا لم يقترن بمعطيات أخرى كافية للجزم بان هذا الاجراء الدستوري الذي جرى تأخيره الى حدود الاضطرار القسري أخيرا الى اتخاذه تحت وطأة الزيارة الثانية التي سيبدأها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت مساء اليوم نفسه، سينتهي الى النهاية الطبيعية بتكليف شخصية سياسية سنية تأليف الحكومة الجديدة.
مشاورات ولقاءات
وفي حين استمرت المشاورات طيلة نهار وليل امس وستستمر اليوم، للتوافق على اسم معين بين الكتل الاساسية، اوفد الرئيس بري امس الاول، معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الى بيت الوسط للقاء الرئيس الحريري لكن الحريري لم يعطِ اي اسم تاركاً المجال لمزيد من الوقت لبلورة الموقف، فيما عقد رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام اجتماعاً عصر امس في بيت الوسط، تم خلاله التداول بكل ما يُثار حول عملية التكليف والتأليف وانتهى من دون الإعلان عن أي قرار بشأن التسمية في الإستشارات النيابية، وتم الاتفاق على إبقاء الاجتماعات مفتوحة. بينما اكد الرئيس سلام قبل الاجتماع لـ”اللواء” انه على موقفه بعدم الترشح للمنصب وتسلم رئاسة الحكومة طيلة عهد الرئيس ميشال عون، خلافاً لما تم تداوله انه من بين الاسماء المطروحة.
بعبدا: حماية الصلاحيات
في بعبدا، قالت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«اللواء» انه مارس صلاحياته في تحديد موعد الاستشارات وقالت ان هناك فرصة اعطيت وتم استئخار الدعوة كي يتم التوافق على اسم مرشح لتولي رئاسة الحكومة. وفهم انه قد يكون الرئيس الحريري فكان الانتظار وقيل ان الرئيس عون يخرق الدستور في حين ان الدستور لا ينص على مهلة كما ان رئيس الجمهورية يعطي المشاورات مداها كي يأتي الرئيس المكلف بأكثرية مريحة ما قد يريح عملية التأليف وبعد التأليف النظر لتطلعات اللبنانيين والبرامج الاصلاحية.
واكدت المصادر ان المرشح الذي كانت الاطراف تسعى الى اقناعه وايجاد مساحة من التوافق الوطني حوله قال انه ليس مرشحا ولا يرغب، اما رئيس الجمهورية فذهب الى تحديد موعد الاستشارات واذا استأخر يقولون خرق الدستور واذا استعجل يقولون اختزل القرار .
ولفتت المصادر الى ان رئيس الجمهورية يطبق النص وعندما يعطي وقتا للتشاور الوطني فذلك بهدف تحقيق الاجماع، لكن عندما تأكد ان لا نتيجة حدد الموعد وهو اعطى الوقت ولم يرتبط بنعم او لا. ورأت انه اذا كلف الحريري في الاستشارات بأكثرية مريحة فهنيئا له وليذهب الى التأليف وان كلف سواه فهنيئا له ايضا ِ
الى ذلك تردد ان الكتل النيابية قد لا تكشف اوراقها في موضوع التسمية وستنتظر بعضها البعض فيما لن يقرر البعض الا في يوم الاستشارات.
وقالت أوساط مراقبة ان كل مكون سياسي بعد التكليف يتخذ موقفا. اما بالاشتراك في الحكومة او يعارض بشكل بناء للحكومة فهذا امر طبيعي. واوضحت ان هناك غموضا يلف اسم المرشح وان ما صدر عن رؤساء الحكومات السابقين كان غامضا، بالنسبة لهؤلاء.
وقد علمت “نداء الوطن” أنّ الرئيس فؤاد السنيورة أراد الردّ بترشيح نواف سلام على لعبة “إلاحراج” التي مارسها الرئيس ميشال عون بتعيين يوم الاستشارات مع وصول الرئيس الفرنسي، إلا أن الرئيس سعد الحريري لم يجاره في ذلك. ورغم إعلان الحريري عزوفه عن قبول التكليف، إلا أنّ مساعي الثنائي الشيعي المحلية و”الدولية” لم تهدأ لإقناعه بتبديل رأيه مع تقديم إغراءاتٍ كبيرة له أحدها تمثل بعرض “وزارة المال” عليه والذهاب الى حدّ ضمان عدم مشاركة “واضحة” لـ”حزب الله” في الحكومة المقبلة.
واعتبرت مصادر سياسية ان تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة الذي سيكلف تشكيل الحكومة الجديدة، لا يعني ان الخلاف الحاصل حول عملية التشكيل بين الفريق الرئاسي من جهة والرئيس سعد الحريري وحلفاؤه قد تم حله ، لان المشكلة ماتزال تراوح مكانها بالرغم من كل المساعي والجهود التي يبذلها رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال تواصله مع الحريري. وتوقعت المصادر ان تتسارع وتيرة الاتصالات في الساعات المقبلة لتحقيق اختراق ملموس في جدار الازمة، كي لا تواجه زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بفشل الاطراف السياسيين بالتوصل الى تفاهم مشترك فيما بينهم،اشارت إلى ان لب المشكلة مايزال هو العقلية المتشنجة والية التعطيل المعهودة التي يجسدها صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل في التعاطي مع عملية تشكيل الحكومة الجديدة والتي ادت الى عرقلة المبادرة التي طرحها رئيس المجلس النيابي على رئيس الجمهورية للخروج من الازمة وتسريع عملية تشكيل الحكومة قبيل وصول الرئيس الفرنسي الى لبنان يوم الثلاثاء المقبل. واكدت المصادر ان بري مايزال متمسكا بمبادرته التي ترتكز على تشكيل حكومة انقاذ مصغرة من عشرة اواثني عشر وزيرا على الاكثر برئاسة سعد الحريري تتولى القيام بالمهمات الجسيمة المنوطة بها ولا سيما معالجة الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان من خلال القيام باجراء الاصلاحات البنيوية المطلوبة وتسريع إعادة انفتاح لبنان عربيا ودوليا وتطلق عملية اعادة إعمار ما تهدم نتيجة الانفجار المروع في مرفأ بيروت،وهي الحكومة التي تعبر عن تطلعات الداخل ومتطلبات المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، لانه يعتبر أن الظرف الدقيق والصعب يتطلب قيام مثل هذه الحكومة بعدما تمت تجربة حكومة حسان دياب وفشلت فشلا ذريعا وبالتالي لا يجوز تكرارها مرة جديدة تفاديا لمخاطر جمة تهدد لبنان. وكشفت المصادر ان الرئيس سعد الحريري مايزال عند الموقف الذي اعلنه منذ ايام بانه غير مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة في حين ان المشاورات التي يجريها مع رؤساء الحكومات السابقين متواصلة لاتخاذ موقف موحد من تسمية الرئيس المكلف سيبلغ يوم الاثنين مباشرة لرئيس الجمهورية رافضة الاعلان عنه مسبقا.ورفضت المصادر الكشف عما اذا كان رؤساء الحكومات السابقين قد اتفقوا على تسمية شخصية اخرى في الاستشارات الملزمة واكتفت بالقول: ماذا تفيد تسمية أي شخصية أخرى اذا كانت ستواجه بالعقلية وادوات الابتزاز والتعطيل ذاتها التي مارست بالسنوات الثلاثة من عم عهد الرئيس عون وادت الى النتائج الكارثية التي يواجهها لبنان حاليا. واذ اعتبرت ان من اسباب الدعوة للاستشارات الملزمه قبل يوم واحد من زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان هو لتفادي الاحراج وظهور رئيس الجمهورية بمظهر المتعاون والايجابي خلافا للواقع الا ان استمرار الخلاف بين الاطراف السياسيين وعدم التوصل الى تسمية رئيس للحكومة حتى ذلك التاريخ وهو ما يبدو حتى الساعة اذا بقيت الامور على حالها وهذا سينعكس ضررا ويسبب احراجا كبيرا ليس لرئاسة الجمهورية بل للطرف المعطل لكل المبادرات والمساعي المبذولة والخشية من ان يكون وراء هذا التعطيل والعرقلة لتشكيل الحكومة ابعد من الطموحات والمصالح السياسية والشخصية كما هو ظاهر شكليا الى ما يتعلق باستحقاق الانتخابات الرئاسية الاميركية أو جلاء الخلاف الاميركي الايراني.
ومن بين التسويات المطروحة مع الرئيس سعد الحريري تقضي بحصر التمثيل الشيعي بالرئيس نبيه برّي، دون مشاركة حزب الله في حكومة انتقالية تضم شخصيات من أصحاب الكفاءة والنزاهة.
ووفقا للمصادر المطلعة على أجوبة الاليزيه فإن الجانب الفرنسي يُشدّد على ان يُحدّد الحريري مرشحه للرئاسة الثلاثة، أو يتعين وفقا للمصادر انه يحظى بتأييد رئيس “المستقبل” وكتلته النيابية.
ونقلت “النهار” عن مصادر رئاسية فرنسية ان هناك العديد من الخيارات المطروحة من اجل تشكيل “حكومة مهمات” او من اجل اهداف معينة ستؤدي في النهاية الى انتخابات برلمانية. وحددت هذه المصادر أربعة أمور طارئة يجب على الحكومة الجديدة وضعها كأولويات محددة بذلك خطة عمل الحكومة وهي: إعادة بناء مرفأ بيروت ، مكافحة انتشار وباء كورونا ، القيام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية ، التحضير للانتخابات النيابية، اذ ان باريس تعتبر ان هناك حاجة الى فتح افق سياسي جديد من خلال انتخابات نيابية تجدد الطاقم السياسي . وإذ اكدت المصادر الرئاسية الفرنسية ان الدعم لهذه الحكومة سيكون متوافرا ذكرت بما كان ماكرون قد أعلنه خلال زيارته السابقة من انه لن يترك اللبنانيين وهذا يعني التزاما فرنسيا لمزيد من الضغط لتنفيذ هذه الخطة وان ماكرون لا يشكل الحكومة اللبنانية طبعا لكنه سيستمر في ضغوطه لتطبيق البرنامج الإصلاحي الضروري.
ماكرون : التحضيرات والتحذيرات
وسط هذا الغموض الواسع الذي يحوط مصير الاستشارات اكتملت الاستعدادات للزيارة الثانية التي سيقوم بها الرئيس ماكرون في اقل من شهر للبنان بدءا من مساء الاثنين. وفي مواقف لافتة جديدة قبيل عودته حذر ماكرون امس في باريس من “حرب أهلية في لبنان اذا تخلينا عنه”. وقال “اذا تخلينا عن لبنان في المنطقة واذا تركناه بطريقة ما في ايدي قوى إقليمية فاسدة فستندلع حرب أهلية وسيؤدي ذلك الى تقويض الهوية اللبنانية “. وأشار الى “القيود التي يفرضها النظام الطائفي والتي اذا أضيفت الى المصالح ذات الصلة أدت الى وضع يكاد لا يوجد فيه أي تجديد سياسي وحيث يكاد يكون هناك استحالة لاجراء إصلاحات”. كما حذر من انه في حال عدم تنفيذ الإصلاحات “فان الاقتصاد اللبناني سينهار والضحية الوحيدة ستكون اللبنانيين”.
واتسم البرنامج المعد للزيارة كما كشفته مصادر الرئاسة الفرنسية امس بمزيج لافت من المبادرات والرمزيات التي حرصت عليها باريس لإظهار عراقة علاقتها بلبنان في ذكرى مئة عام على اعلان لبنان الكبير، كما من المواقف السياسية القوية الدافعة نحو تثبيت الرعاية الفرنسية لحل داخلي عاجل يبدأ بإخراج البلاد من متاهات انهياراته. وإذ يبدأ البرنامج بزيارة معبرة للسيدة فيروز ويمر برحلة الى غابة جاج لزرع شجرة أرز فرنسية وسط تحية استعراضية يؤديها سرب من الطائرات الفرنسية التي ستحضر الى الأجواء اللبنانية خصيصا يوم الأول من أيلول، يبدأ الشق السياسي بلقاءات في قصر بعبدا ومن ثم تنتقل الى قصر الصنوبر حيث يلتقي ماكرون في مبادرة خاصة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نظرا الى دور بكركي التاريخي في قيام لبنان الكبير، ومن ثم سيعقد ماكرون لقاء موسعا مع ممثلي القوى السياسية (9 شخصيات ) ينتظر ان يتمحور على الحكومة الجديدة وخريطة الطريق التي اقترحها الجانب الفرنسي لمهمتها .