ماكرون يواجه تركيا من لبنان ويعوّم حزب الله سياسياً

خلف التضخيم الإعلامي والرمزي والعاطفي لزيارة ماكرون يكمن بعد سياسي إقليمي

31 أغسطس 2020
ماكرون يواجه تركيا من لبنان ويعوّم حزب الله سياسياً
منير الربيع
منير الربيع
للمرة الثالثة يتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن خطر وجودي يتهدد لبنان، أو يغير وجهه الحضاري، ويتخوف من حرب أهلية.
وللمرة الثالثة في غضون أيام قليلة يجري ماكرون اتصالات بالمسؤولين اللبنانيين، لحثّهم على تكليف رئيس لتشكيل الحكومة.
وصل به الأمر إلى حدّ يشبه التسول في ممارسته الضغط عليهم، سعياً منه إلى منحه انتصاراً معنوياً في قدرته على إنجاز التكليف.

ماكرون يلمّع صورته فرنسياً

يستخدم ماكرون لبنان ساحة لتلميع صورته، ولحسابات سياسية خاصة به في الداخل الفرنسي. عندما يشير إلى مخاطر الحرب الأهلية، يعيد اللعب على وتر الوجدان الفرنسي الذي لديه تعلق بلبنان، وبأن رئيسهم يعمل على حماية هذا البلد.

وتترك زيارته لبنان انطباعاً بأنها تحفل بتضخيم إعلامي هائل، لمنحها حجماً كبيراً مضخماً، يفوق حجمها الفعلي. فهي لن تؤدي إلى نتائج كبيرة، والأهم أنها تأتي متأخرة.

والتطورات والأحداث سبقت محاولات الاستدراك الفرنسي، والمشكلة في لبنان لم تعد تنحصر في تشكيل الحكومة وتركيبتها، بل بما سيحصل بعد تشكيلها.

فالأكيد أن الضغوط على لبنان ستتكثف.


وربما كان أنفع لو أن حركة ماكرون حصلت قبل أشهر، وتحديداً بعد استقالة الحريري، وقبل مجيء حكومة حسان دياب.


حينذاك كانت هناك فرصة يمكن الرهان عليها لعدم ذهاب لبنان إلى هذا الحجم الهائل من الانهيار. وما كان يمكن إصلاحه آنذاك، لا يمكن إصلاحه حالياً.

الحزب الإرهابي أميركياً وسعودياً
بعد زيارته الأولى إلى لبنان، وكلامه عن حكومة الوحدة الوطنية، نسف ماكرون مضمون لقاءاته بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي اعتبر أن حزب الله تنظيماً إرهابياً.

والآن وما قبل زيارة ماكرون، صرّحت السفيرة الأميركية في لبنان أنه على الرغم من التنسيق مع الفرنسيين، فإن مبادرتهم تخصّهم.


وهذا يعني أن المساعي الفرنسية لا تتلاقى مع الشروط الأميركية.


والولايات المتحدة ترى أن الخطوة الفرنسية تمنح شرعيةً لحزب تصنفه واشنطن إرهابياً. وهذا ما لا تتهاون فيه أميركا. وبمعزل عن تشكيل أي حكومة لبنانية، موقف واشنطن ومسارها مستمران على حالهما تجاه حزب الله، ويتصاعدان.

فرنسا تواجه تركيا من لبنان
خلف التضخيم الإعلامي والرمزي والعاطفي لزيارة ماكرون لبنان – وهذه عادة قديمة تنتهجها فرنسا حيال البلد المشرقي الصغير المحبب لديها – يكمن بعد سياسي إقليمي: صراع فرنسا الراهن مع تركيا في شرق المتوسط.

فبعد تكليف رئيس للحكومة اللبنانية، تستمر باريس في بحثها عن لعب دور مؤثر في لبنان. وهي تعلم أنها لن تنجح في ذلك من دون تقديمها ما يلزم للأميركيين.

هنا قد يطرح ماكرون طرحاً جديداً يُبنى عليه: معادلة أمنية وعسكرية جديدة، برياً وبحرياً، وتزيل المزيد من الأعباء عن الأميركيين في لبنان. ويمكن أن يكون ذلك مدخلاً للبحث في استراتيجية دفاعية في لبنان.

وبالتالي تعقد باريس اتفاقاً أمنياً وعسكرياً مع بيروت.

وهذا يهدف إلى مواجهة أي محاولة لنفوذ تركي في لبنان.

فماكرون تحدث عن مخاطر قد تغير هوية لبنان وكيانه الحضاري.


وهو حتماً لا يقصد حزب الله الذي يريد تعويمه سياسياً داخل بنية النظام اللبناني، بل يقصد تركيا التي يواجهها ماكرون من ليبيا إلى اليونان وقبرص ولبنان.


لبنان وقبرص واليونيفيل البحرية
وفي موازاة الحضور البحري الفرنسي في لبنان بعيد تفجير مرفأ بيروت، كانت باريس تُبرِم اتفاقيات ومعاهدات دفاعية وعسكرية مع قبرص. وكانت طائرات الرافال الفرنسية تحط هناك.

من دون إغفال مسألة الحدود البحرية بين لبنان وقبرص. ويصر الفرنسيون على الحضور في هذه البقعة من البحر المتوسط، وخصوصاً في لبنان.

وهناك معلومات متداولة حول احتمال تخفيض عدد قوات اليونيفيل في القوة البحرية بلبنان.

هذا الفراغ قد يسده الفرنسيون الذين سارعوا بعيد تفجير مرفأ بيروت إلى إرسال بارجة عسكرية إلى الشاطئ اللبناني. وهذا كله يعني تعزيز الحضور الفرنسي في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.

لكن لا يمكن لمثل هذه الأمور أن تفضي إلى أي نتيجة من دون موافقة أميركية. وواشنطن ستسعى حتماً إلى زيادة منسوب الضغوط بالحديث المستمر عن الإصلاحات في لبنان.

وهي تطال بشكل أو بآخر حزب الله، من الحدود إلى التهريب والتسلح وغيرها.