بقي ما يريده اللبنانيون

سيشتدّ الصراع الداخلي واحتمالاته الخطرة حتى لو تمّ تأليف حكومة بأي ثمن

31 أغسطس 2020
بقي ما يريده اللبنانيون
عصام الجردي
عصام الجردي

ماذا تبدّل بين 6 آب 2020 موعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبين 31 منه غدًا موعد الزيارة الثانية؟ وهل دولة بحجم لبنان تستأهل من رئيس دولة بحجم فرنسا زيارتها مرتين في أقلّ من شهر؟ دعونا نعتبر أنّ الزيارة هي واحدة في الأساس. وكانت في روزنامة ماكرون منذ شهور من دون تحديد موعدها.

وشاء أن تكون في مئوية لبنان الكبير. الزيارة الأولى أملتها الظروف التي نجمت عن كارثة تفجير مرفأ بيروت، وكانت مناسبة ليطلق ماكرون كلامًا كبيرًا في السياسة والاقتصاد وضرورة التغيير بسرعة.

لن يحمل الرئيس الفرنسي في زيارته الثانية اليوم نتائج اختبار PCR أجراه بنفسه في الزيارة الأولى. كان يعلم أنّها إيجابية وتتجاوز جائحة Covid 19 إلى أمراض عضال بلغت حدّ تهديد الوطن والكيان السياسي والاجتماعي بعد أن قوّضت معالم دولة.


بدليل انهيار مؤسساتها الدستورية بعد 100 عام على دولة لبنان الكبير التي كان لفرنسا يد فيها


بدليل أنّ النظام السياسي الذي دمّر الدولة ومؤسساتها، ويستمرئ الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وسلطة الدستور والقانون، ما زال يصرّ على ممارسة اللعبة ذاتها.

وكأنّ الثقة المهيض بالنظام السياسي ولازمته النموذج الاقتصادي المطلوب استعادتها حجرًا ركينًا للإنقاذ، تعني الثقة من جديد بالنظام نفسه، وبسدنة النظام والنموذج الاقتصادي.

لكن ماكرون قال كل شيء قبل زيارته الثانية إلى بيروت.

“إذا تخلينا عن لبنان وإذا تركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة فستندلع حرب أهلية وسيؤدي ذلك إلى تقويض الهوية اللبنانية”.

ولحظ انّ “القيود التي يفرضها النظام مع المصالح ذوات الصلة أدّت إلى وضع يكاد لا يوجد فيه أي تجديد سياسي. ويكاد يكون هناك استحالة لإجراء إصلاحات”.

كما حذّر في حال عدم تنفيذ الإصلاحات ” فسينهار الاقتصاد اللبناني والضحية الوحيدة ستكون اللبنانيين الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المنفى”.

ائتلاف النظام السياسي والمصالح على ما قال ماكرون هو الذي يمنع الإصلاحات والتغيير. ونراه اليوم في مهزلة تأليف الحكومات في لبنان يختصر نظامًا سياسيًا لم يعد قادرًا على الإنتاج وسدّ شغور المؤسسات من ضمن آليات النظام وشخوصه.

لذلك لا مجال لتأليف حكومة سويّة في لبنان في صرف النظر عمّن يكون رئيسها والأعضاء. شهدنا ذلك في الحكومات التي تألفّت في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون.

وفي انتخابات الرئاسة بالذات.

فانتخاب الرئيس حصل تمامًا كما يحصل في تأليف الحكومة.

أي الاتفاق على الرئيس قبل الإنتخاب.

مجلس النوّاب صدّق على صحة التواقيع.

رئيس الجمهورية أصرّ على تأليف الحكومة قبل التكليف وخلافًا للدستور.

الحكومة في الإقليم
لم يعد النظام السياسي قادرًا على الإنتاج لا رئيس حكومة ولا رئيس جمهورية حتى ضمن معادلات الحصص الطائفية. ستبدأ الاستشارات النيابية اليوم بعد أن أعلن القطب الوازن في طائفته سعد الحريري أنّه ليس مرشحًا.

ليس لأنّه يتخلّى عن القيام بهذا الدور.

بل لأنّه يريد ممارسته بما يعتقده ومن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء.

ينسحب ذلك على التأليف.


“حزب الله” يصرّ على الحريري لأنّ حساباته أبعد من لبنان إلى الإقليم


وراغب في تصليب المظلّة السياسية التي وفّرها عون له في المشروع الإقليمي، بعد أن توسّعت ثقوب المظلّة في ضوء المعارضة المتنامية لعون و”التيار الوطني الحرّ” ورئيسه جبران باسيل خصوصًا في الشارع المسيحي.

والحريري لا يريد إغضاب الحليف الإقليمي في الرياض الذي يبدو متفاهمًا مع واشنطن على استبعاد “حزب الله” من أي تشكيلة حكومية، طالما الحوار مقطوع مع طهران المصرّة بدورها على مشروعها في المنطقة.

يراد للحريري في الاستشارات النيابية أن يسمّي مرشحًا لو بقي على موقفه من رفض الترشّح. عمليًا، أن يتبنى نتائج غيره في رئاسة الحكومة.

أقصى ما يمكن أن يصل إليه في هذا المجال مخرجًا، هو “لا أمانع” بدلا من التسمية.

لكن ماذا يعني كل ذلك؟ في اختصار عجز النظام عن سدّ الشغور في المؤسسات الدستورية إلّا من خارج المؤسسات نفسها.

لا الاستشارات هي كما ينصّ الدستور شكلًا وجوهرًا.

ولا النوّاب يقومون بوظائفهم بموجب الدستور.

بعد الاتفاق يصدّقون على صحة التواقيع.

فلا يعود النظام برلمانيًا ولا ديموقراطيًا إلّا على الورق.

رغم “نوايا ماكرون الحسنة”، لا ندري ما إذا كان في قمرة القيادة من الأزمة اللبنانية. نشك في ذلك لأنّه سيتلقّى الإرشادات من واشنطن المتفاهمة مع الرياض لمواجهة التهديد الإيراني المكشوف لكل منطقة الحليج العربي.

التكليف لا يعني التأليف.

فنكون قد دخلنا في نفق الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

وسيشتدّ الصراع الداخلي واحتمالاته الخطرة حتى لو تمّ تأليف حكومة بأي ثمن وكيفما كان.

الصدامات المسلّحة التي حصلت في خلدة أخيرًا لا تشي بالخير ويجب وأد تداعياتها على الفور.

قرارات كبيرة
بيد أنّ السؤال، هل يحتمل الوضع الاقتصادي والمالي مزيدًا من الحكومات أو حكومة تصريف أعمال لمجرد حيازتها كلمة مرور إلى دوام الحال وهي من المُحال؟

بافتراض تأليف الحكومة، فالوضع يحتاج إلى قرارات كبيرة على المستويات المالية والنقدية والاجتماعية.

وجائحة كورونا ماضية في الطريق. البلد لا يحتمل إلّا حكومة استثنائية نزيهة وخبيرة وقادرة. نسميه جوعًا لا مجاعة هذا الذي تواجهه أعداد كبيرة جدًا من المواطنين كي لا نستحضر ما في بطون الكتب من مآس عن الحرب العالمية الأولى.

وقد بات الجوع حقيقة.

الحكومة المقبلة لا وقت لديها كي تعود إلى مناقشة خطة الحكومة المالية السابقة وإلى الجدل حيال تقدير الخسائر. العمل الوحيد الذي يُذكر لحكومة تصريف الأعمال أنّها وضعت خطة بالخسائر واقترحت حلولًا.

الجانب المتعلق بالخسائر لقي تأييد معظم الخبراء المستقلّين.

وصندوق النقد الدولي.

والمصرف الدولي. الحكومة هي عادت وتراجعت تحت ضغط لجنة المال والموازنة النيابية وعدد كبير من النوّاب ومصرف لبنان والمصارف.

كل تأخير في إصلاح القطاع المصرفي بدءًا من مصرف لبنان، دونه مخاطر على الاقتصاد ككل وعلى الوضع الاجتماعي وعلى تراجع سعر الصرف وقيمة الأجور الحقيقية.

تفرّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالقرارات الكبيرة شأن لا يجوز استمراره. التعاميم الأخيرة لاسيما التعميم رقم 154 المتعلق بالأموال التي حُولت إلى الخارج بدعة بذاته.

كل الإصلاحات المطلوبة من أي حكومة مقبلة صلبٌ ويحتاج إلى قرارات شجاعة وسريعة. للأسف الظروف السائدة لا تقول ذلك. ماكرون قال ما عنده وسيمشي.

بقي ما يريده اللبنانيون..

المصدر المدن