بحسب هؤلاء، فإنّ زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان التي تبدأ رسمياً اليوم، تزامناً مع “تكليف” رئيس الحكومة الجديد، بدأت “عملياً” منذ الجمعة، وربما ما قبل ذلك، ولكن “عن بُعْد”، حيث لعب الرئيس الفرنسيّ دوراً “نشِطاً” وأساسيّاً في المشاورات التي كانت جارية للتوافق على اسم المرشح لرئاسة الحكومة.
ولعلّ الاتصالات التي أجراها الرئيس الفرنسيّ بعددٍ من القيادات اللبنانيّة، وسُرّبت للإعلام، كافية للدلالة على ذلك، علماً أنّ هناك من يقول إنّ ماكرون كان عملياً هو “الوسيط” بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في محاولة الوصول إلى “اتفاق” بينهما، على رغم “القطيعة” المستمرّة منذ “طلاق” الأخير مع “العهد”.
“مرونة” واضحة
انعكس “الضغط” الفرنسيّ، عشيّة زيارة ماكرون إلى لبنان، “مرونة” واضحة على خطّ التكليف، وهو ما بدا جلياً في الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا، وصولاً إلى تسمية رئيس حكومة “محصَّنٍ” بتوافق معظم الكتل الأساسيّة عليه، وبميثاقيّةٍ تجعله “متفوّقاً” منذ اللحظة الأولى، خلافاً لتجربة حسّان دياب المَريرة.
ولعلّ عوامل عديدة أسهمت، إلى جانب المساعي الفرنسيّة، وربما توازياً معها، في “فرض” هذه المرونة والليونة، من بينها أنّ تسمية السفير مصطفى أديب جاءت من رؤساء الحكومات السابقين أولاً، قبل أن يتلقّفها ويتبنّاها الآخرون، الأمر الذي أعطى رئيس الحكومة العتيد تلقائياً “امتيازاً” افتقده سلفه، وبالتالي “حيثيّة” طائفيّة ووطنيّة يمكن أن ينطلق منها ليفرض “شروطه”، إن جاز التعبير، في حساباته المستقبليّة.
وجاءت “السيرة الحسنة” للسفير الأديب، أكاديمياً ودبلوماسياً وسياسياً، لتعزّز من هذه “المرونة”، باعتبار أنّ اسمه شكّل “نقطة وصل” بين الأفرقاء المتخاصمين، وبدا خالياً من عناصر “الاستفزاز” التي ارتبطت بها أسماء أخرى تمّ تداولها، حتى أنّ البعض راح “يتكهّن” حول “المصدر” الحقيقيّ للتسمية، وكأنّه يقول إنّ أديب يمكن أن يكون مرشّحاً “مثالياً” لـ “خصوم” من سمّوه، بالنظر إلى “المقوّمات” التي يتمتّع بها.
“العبرة في التأليف”
أبعد من كلّ ما سبق، فإنّ الثابت والأكيد أنّ التكليف مرّ سلِساً ومَرِناً، بعكس ما كان يتوقّع الكثير من المتشائمين، وبينهم من ذهب إلى الاعتقاد بأنّ يوم الاستشارات قد ينتهي إلى “أزمة جديدة” تنتج إما عن عدم تسمية أحد، أو عن تسمية “هزيلة” قد تضطر رئيس الجمهورية إلى الدعوة إلى جولةٍ ثانيةٍ بعد فترةٍ من الوقت.
لكنّ النتيجة جاءت “مناقضة” لهذه التوقعات، فكان “شبه إجماع” على تسمية السفير مصطفى أديب رئيساً للحكومة، مع بعض الاستثناءات المطلوبة في أيّ نظامٍ “ديمقراطيّ”، لتتّجِه الأنظار فوراً إلى مرحلة “ما بعد التكليف”، وتحديداً “التأليف”، وما إذا كانت “المرونة” نفسها ستنعكس عليها، أم ستعود “حليمة إلى عادتها القديمة” في تقاذف الشروط والشروط المُضادة.
وعلى رغم أنّ البعض يتحدّث عن “سلّة متكاملة” تمّ الاتفاق على ملامحها الأولية، قبيل تسمية دياب، فإنّ المعلومات المتوافرة تؤكد الفصل الكامل بين منطقي “التكليف والتأليف”، تنفيذاً للقاعدة الدستورية القائلة بأنّ رئيس الحكومة المكلّف هو الذي يؤلّف حكومته، والتي أصرّ عليها رؤساء الحكومات السابقون في “جوهر” مسعاهم، ما يدفع البعض إلى “الخشية” من مساعي قد تكون موجودة لدى البعض للعودة إلى نظام “المحاصصة”.
قد تكون مثل هذه “الخشية” مشروعة، خصوصاً أنّ البعض استبق بدء مفاوضات التأليف بالحديث عن “تمسّك” بهذه الحقيبة أو تلك، متجاهلاً أنّ الواقع يفرض اليوم “انقلاباً كاملاً” على كلّ القواعد السابقة، بل على نظام “المحاصصة” برمّته، علماً أنّ هناك من يعتقد أنّ رئيس الحكومة المكلّف سيكون قادراً، انطلاقاً من طريقة تسميته، على فرض “شروطه”، بما يجنّبه الوقوع “مطيّة” بعض “الطامحين”، كما حصل مع غيره.
بين “مرونة” التكليف، و”شروط” التأليف المُسبقة، تبقى “العبرة في الخواتيم”، فهل ينجح اللبنانيون هذه المرّة بمفردهم، انطلاقاً من الظروف الاستثنائية المُحدقة، أم سيطلبون “النجدة” من الرئيس الفرنسي أو غيره، مكرّسين فكرة أنّ توافقهم لا يتمّ إلا “تحت الضغط”؟!