كتب بيار ابي صعب في “الأخبار”: الرئيس الفرنسي محقّ على الأقل في نقطة أساسية. كلما وجد لبنان نفسه أمام الهاوية، وخيم عليه طيف الانهيار والتمزق، وتعطّلت مؤسساته، وشُلت قواه الحيّة، وواجه خطر “الاضمحلال”، إذا بالإخوة المتخاصمين، المنقسمين، المتكارهين، يتلفّتون حولهم بحثاً عن يقين، عن نقطة ارتكاز، فلا يجدون إلا فيروز. السيدة تجمعهم وتوحّدهم. إنها أيقونة هذا الوطن المتخيل الذي يسكن أحلامهم… بفنها وتاريخها تخترع لهم وطناً رحبانياً، كم يشبه راجح في “بياع الخواتم”: راجح “الكذبة اللي صارت زلمة”. ولبنان الكذبة (بالمعنى الطوباوي الأنبل) التي صارت وطناً، اراده الجنرال غورو، و”أمنا الحنون” التي كانت تستعمرنا.
بعد قرن كامل يعود الرئيس ماكرون على حصانه الأبيض، في دور المنقذ، هو الباحث عن استعادة موقع في المشرق لبلده الذي لم يعد قوة عظمى، عينه على الاستثمارات وحروب النفوذ، وخطابه مسرف في الرسولية. وهذا الرئيس الآتي للاحتفال بلبنان الكبير، بل قل لانقاذ ما تبقى منه من الغرق، يرى نفسه وصيا على بلد مستضعف خانته طبقة حكامه، فيبدأ جولته بالحج إلى دارة فيروز. ويصيب اللبنانيين في وجدانهم… فيروز الصورة، صورة الوطن. فيروز آخر الثوابت، وآخر ما تبقى من لبنان… وفيروز بالنسبة إلى الرئيس الطموح الذي قوّض أساسات دولة الرعاية والتكافل في بلده، هي أيقونة ينبغي أن يظهر معها في الصورة. جاء ماكرون الى الرابية كي يأخذ البركة، وكي يظهر في الصورة. لا نعرف فكرة من هي، لكن صاحبها ماهر في فنون التواصل. لقد اكتسب ماكرون الآن شرعيته في لبنان، ونجح أن يقنع الرأي العام بأنه لم يأت مستبيحاً للسيادة، وصياً على القرار الوطني الذي أفلت من يدنا أصلاً. انظروا إليه في الصورة، محاطاً بهالته الرسولية التي شرعنتها فيروز… الآن، صار بوسع إيفانوي الفارس المقدام، أن يبني لنا لبنان الجديد…