ماكرون المهجوس بالمتوسط: يعيّن مجلس الوزراء.. ويحاور حزب الله

تماماً كما كان دور الوصاية السورية يتوسع أو ينقبض في لبنان وفق العلاقة مع واشنطن وتوجهاتها

2 سبتمبر 2020
ماكرون المهجوس بالمتوسط: يعيّن مجلس الوزراء.. ويحاور حزب الله
منير الربيع
منير الربيع
كثر مرّت في ذاكرتهم “صورة” أبي عبدو. من النهي إلى الأمر فالتحذير والتهديد. الفارق أن إيمانويل ماكرون، يقدّم صورة حضارية، ترتبط ثقافياً بلبنان التاريخي وفكرة ولادته وإنشائه وصولاً إلى استقلاله.
إنه استقلال بلا سيادة. لا يمكن اتهام الرئيس الفرنسي فقط بانتهاكها، إنما أمعن اللبنانيون في امتهان كرامة بلدهم، وقوى عديدة أرادت دفن لبنان الكبير أو لبنان الإستقلال، وأرادت إبقاء لبنان الإنتدابات لقوى متعددة.

يلتزم ماكرون بكلام منمّق ينطوي على التهديد، بخلاف ما يكشفه جورج حاوي في أحد فيديوهاته عن كيفية تعاطي رجال الأمن السوريين مع المسؤولين اللبنانيين بما فيها من توبيخ وتأنيب وشتائم.

برنامج لثلاثة أشهر
الصورة المختلفة بالشكل والمضمون. لكنها قابلة للاستحضار، من تلويحه بالعقوبات وإلزام المسؤولين بمهلة محددة لإنجاز الإصلاحات وإلا سيكونون عرضة للعقاب، إلى شكل وترتيب اللقاءات في قصر الصنوبر، على نحو استقبل فيه المسؤولين على حدة، وانتظروا جميعهم موعد اللقاء الجماعي على عشاء معه.

جاء الرئيس الفرنسي كما في زيارته الأولى، حدد موعداً جديداً ومهلة جديدة لزيارته الثالثة. أمام المسؤولين ثلاثة أشهر لتنفيذ الإصلاحات وسيعود في كانون الأول لمتابعتها.
أتى حاملاً برنامجاً متكاملاً ورؤية سلّمها إلى جميع المسؤولين، حول التحضير للمرحلة المقبلة. من شكل الحكومة وتركيبتها، إلى برنامجها وخطتها الإصلاحية، وما يتفرع منها ويتوسع عنها، في إطار الدعوة الى الميثاق الجديد الواجب إقراره.

هذا التحرك والتدخل التفصيلي والمكثف، ربما يكون قد نتج عن فقدان أمل فرنسي من الإتكال على المسؤولين اللبنانيين في اتخاذ القرارات الملائمة لبلدهم.

وربما هو التعبير المثالي والتجسيد الفعلي لمقولة طُبعت في أذهان اللبنانيين والعالم، أن لبنان ومسؤوليه دائماً بحاجة لمن يسوقهم ويدير شؤونهم ويكون وصياً عليهم.

أدرك الفرنسيون أن القوى اللبنانية عصية على الإستقلال وتحتاج دوماً إلى عصا لتدير القطيع أو تلزمه بالمسير. فقرروا أن لا يتركوا الفرصة لأحد غيرهم، محاولين المقاطعة بين جملة تقاطعات وتوجهات، والحصول على ضوء أخضر من قوى متعددة ومتضاربة.

حزب الله وتغيير النظام
يرتبط ذلك أيضاً بمصلحة فرنسية استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. في إطار معركة ترسيم مناطق النفوذ البرية والبحرية والثقافية والعسكرية.

فلا بد لفرنسا من الحضور المباشر في لبنان، بشتى الطرق والمجالات. من لقاء فيروز، إلى غرس الأرزة، ولقاء بعبدا وسط حديث موسع عن الدولة المدنية، إلى اضطرار النائب محمد رعد لمغادرة الغداء، إما بسبب زجاجة نبيذ كما قيل، أو لسبب آخر وهو نقل رسال بين حارة حريك وماكرون، على أن يلتقيه على حدة في قصر الصنوبر.

فتتكرر تجربة الزيارة الأولى حين التقى الرجلان مرتين، في الأولى وجه ماكرون جملة أسئلة، ليعود رعد بأجوبة عليها بلقاء ثان.

وربما النقاش الجدي الوحيد هو الذي كان بين ماكرون وحزب الله عبر محمد رعد. حول ما يمكن لباريس أن تحققه بهذه المفاوضات مع الحزب، طالما أنها الجهة الدولية الغربية الأخيرة التي تتواصل مع الحزب بشكل علني ورسمي.

أما مع القوى السياسية الأخرى، فكانت النقاشات عادية وتتمحور حول كل الملفات بشكل عام. غلبت الشكاوى على لقاءات المسؤولين مع ماكرون قبل العشاء الجامع، فاشتكى الأفرقاء على بعضهم البعض، وقدم كل منهم رؤيته أو ورقته الإصلاحية، ونظرته لتطوير النظام الذي يريده ماكرون.


وكان قد تلقفه في البداية أمين عام حزب الله، وفيما بعد رئيسا الجمهورية ومجلس النواب


توزيع حقائب الحكومة
كل شخصية طرحت هواجسها ورؤيتها، وطلب من باريس المساعدة للحفاظ على الكيان والنموذج. كان ماكرون مستمعاً في هذا المجال. فيما رؤيته واضحة ومكتملة.

هو يعلم ماذا يريد من لبنان، والمدى الذي يمكن من خلاله أن يصل لتحقيق ما يريده بالقدر المتاح، في ظل الظروف الدولية والأميركية خصوصاً.

يريد تحقيق إنجاز لبناني يستثمره في داخل فرنسا “بإنقاذ لبنان من التحلل والانهيار والحرب الأهلية”.


ويريد الإثبات للأميركيين وغيرهم أنه نجح في مساعيه مع حزب الله من دون الحاجة إلى التصعيد أو العقوبات وممارسة الضغوط أو الحروب


قد يكون طامحاً.

وقد يغلب عليه فقط طابع صناعة الصورة.

وتغيير حاكم المصرف
الهم السريع والأساسي لماكرون كان تشكيل الحكومة سريعاً. بموازاة تسمية مصطفى أديب، كان إيمانويل بون السفير الفرنسي السابق في لبنان، يتواصل مع المسؤولين اللبنانيين ورؤساء الكتل لمطالبتهم بتقديم لوائح بأسماء الوزراء المقترحين لديهم، ويجري مباحثات حول كيفية توزيع حقائب الحكومة، مع التشديد على ضرورة تغيير النماذج وتبديل الحقائب.

فتتم جوجلة الأسماء لتركيب الحكومة في أسرع وقت ممكن، وبعد إنجاز الاستشارات النيابية غير الملزمة. وأكثر من ذلك، تشير بعض المعطيات إلى أن اهتمام الفرنسيين سيكون مركزاً على القطاع المصرفي والمالي.

وهناك مؤشرات تفيد بأن ماكرون اصطحب معه في زيارتيه مديراً مصرفياً كبيراً في باريس، قد يكون مرشحاً لمنصب حاكم مصرف لبنان، وهو سمير عساف، مدير مصرف “أتش أس بي سي” في باريس.

هذا كمرحلة أولية من الآن إلى ثلاثة أشهر، مقابل فتح النقاش حول ما هو أبعد من هذه التغييرات الإجرائية، للبحث في الميثاق الجديد، والذي تلقفه اللبنانيون بإعلان الذهاب إلى الدولة المدنية، والذي سيكون بحاجة إلى نقاش موسع وجلسات حوار طويلة، لن يغيب عنها حجم موازين القوى وتأثيراتها.

السعوديون والأميركيون
تصرفات ماكرون لن تكون منحصرة بمهمة قابلة للإنتهاء، بل للتأسيس إلى واقع جديد يستجد في منطقة الشرق الأوسط، ولا بد من تعزيزه باتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية بعيدة المدى، ترتبط بالوضع في البحر الأبيض المتوسط، أو في البحث حول التغيير الجذري ببنية النظام أو الدستور، كطرح مجلس الشيوخ وغيرها.

قد تمر المرحلة الأولى التي يقترحها ماكرون.

وهي تمرير الحكومة وبعض الإصلاحات الاقتصادية.

أما النقاش الاستراتيجي الثاني فلن تكون الكلمة الفصل له وحده.

ولا بد من انتظار موقف الأميركيين والسعوديين، وسط مؤشرات كثيرة تفيد بأن الردّ لن يتأخر، وسيحمل متغيرات وعرقلات كثيرة للمسعى الفرنسي، فيعيد ماكرون إلى وسيط فاعل بلا تكاليف، بانتظار رئاسيات الولايات المتحدة ومسار الصراع الأميركي الإيراني.

تماماً كما كان دور الوصاية السورية يتوسع أو ينقبض في لبنان، وفق العلاقة مع واشنطن وتوجهاتها.

المصدر المدن