“هيلا هو” لماكرون في ساحات بيروت: لا تكن غبياً!

نجح المحتجون باختراق إحدى البوابات الحديدية لساحة النجمة لكن تبقى أبواب أخرى يجب خلعها

2 سبتمبر 2020
نادر فوز
نادر فوز
كان الرهان قائماً على جريمة 4 آب لإسقاط العصابة الحاكمة، بعد أن أثبتت أنها منظومة للقتل المباشر وغير المباشر. والرهان لا يزال مستمراً على أنّ دماء ضحايا تفجير المرفأ لن تذهب هدراً.
لكن جريمة تلو أخرى، ومع انكشاف مختلف أوجه الإفلاس والانهيار، يتضّح أنّ كل من نزلوا إلى ساحات الاحتجاج منذ 17 تشرين، أفراد. نزلوا أفراداً، وعادوا منها أفراداً. يجمعهم خطاب واحد لإسقاط السلطة، وتشريح موحّد للأزمة والمسؤولين عنها، لكن كلّهم أفراد.

وجاءت الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي لتؤكد أنّ الأخير غشّ الجموع اللبنانية في زيارته الأولى. قال إنه معهم وإلى جانبهم من الجميّزة، وعاد وجمع مسؤولي الطوائف والأحزاب على طاولة واحدة في قصر الصنوبر. والمشهد نفسه تكرّر في الزيارة الثانية، في مأدبة غداء في قصر بعبدا، حضرها الرؤساء والمسؤولين والنواب. يصرّ على الإصلاحات، في حين أنّ الجمع في الشارع مأخوذ بالتغيير والتبديل وإسقاط المنظومة. السفارات، التي اتُّهم المنتفضون بالانتماء لها وتنفيذ أجنداتها، تجمع القادة اللبنانيين وترسم لهم طريق الخلاص بقالب إصلاحي يعرف الجميع أنه غير قابل للعيش والتنفيذ. السلطة اشترت الوقت، لا بل أضاعته منذ تشرين 2019، وبعض الدول الراعية للإصلاح تشتريه اليوم، أو تضيعه علينا مجدداً إلى أمد غير محدّد.

علم الحِداد
في بيروت، في ساحة الشهداء، على مدخل مجلس النواب، كان الغاز المسيل للدموع يخنق ما تبقى من أصوات الجمع، بينما كان الرئيس الفرنسي ومعه السياسيون اللبنانيون يرسمون خطة لعبتهم الجديدة. مشهد متكرّر في الساحة حيث يحاول البعض، من يأسه، الدخول إلى ساحة النجمة. فتصدّه القوى الأمنية الرسمية وغير الرسمية بالقنابل الدخانية وخرطوش الخردق. وبين المحتشدين في الساحة، من حمل علماً لبنانياً بالأسود والأبيض، حداداً على الضحايا وعلى الدولة ومؤسساتها. ومنهم من حملوا صور ولافتات كتب عليهم “إنتو قتلتوا أحلامي”، والأصح أنهمم قتلوا الناس فعلياً لا طموحاتهم فقط.

لا وقت للرخاء
في وسط بيروت، تمّ اليوم إحراق أحد المطاعم في مبنى النهار. لكنّ “الولولة” على حرق بيروت لم تصدح هذه المرة. وإن تجرّأ أحدهم على إصدار رد فعل على حرق مطعم في مدينة مدمرّة في بلد منهوب لشعب مسحوق، يكون زاد الوقاحة سفاهة. في ظروف عادية، يستوجب السؤال عن دوافع إحراق مطعم أو مؤسسة خاصة التوقف عنده. سؤال مشروع ومطلوب. وفي زحمة الانهيارات التي يعيشها اللبنانيون، لا مكان لسؤال مماثل. لا وقت ولا ترف لذلك.

خيارات اللبنانيين
على الأغلب لم يتأثر نشاط إيمانويل ماكرون في بيروت بالمعركة التي وقعت في وسط بيروت. كأي مسؤول آخر، أدار أذنه الطرشاء إلى الجموع واستكمل جدول أعماله في لقاء صهر رئيس الجمهورية، رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. ومن بعبدا، قال إنّ “فرنسا تدعم كل خيارات يلتقي عليها اللبنانيون”. أي لبنانيون؟ سلطتهم، أحزابهم الطائفية، أم مئات آلاف الأفراد المحبطين اليائسين غير المتكتّلين؟ إلى الآن، يقصد السلطة والطوائف وأصحاب القرار. دعوته للإصلاح تؤكد ذلك.

الـ”هيلا هو”… المطواعة
تلقّف عدد من المحتجّين في بيروت موقف ماركون، فرفعوا له لافتة “هيلا هو” تحذيرية. بالفرنسية، كتبوا:
Héla Héla Héla Héla Hooooo
Mr Macron ne soyez pas Con!”
“هيلا هيلا هو.. سيّد ماكرون لا تكن غبياً”، حتى أنّ العبارة بالفرنسية تحتمل معنى “لا تكن سافلاً”. الـ”هيلا هو”، سلسلة، ويكمن سحرها بإمكانية تطويعها لتتماشى مع كل المناسبات، بكل اللغات. واليوم دخلت العالمية.

قبل الهجوم الحاسم والأخير لقوى الأمن من مبنى جريدة النهار إلى جسر شارل حلو، نجح المحتجون باختراق إحدى البوابات الحديدية لساحة النجمة. فعلوا المستحيل للدخول، تسلقّوا مبان، وبنوا جسور من عوازل الحديد، لكن كثافة قنابل الغاز والرصاص المطاطي حالت دون ذلك. كسر هذه البوابة تأتي بعد سلسلة من عمليات الخلع والكسر التي حصلت منذ 17 تشرين، في إسقاط حكومتين ومنع انعقاد جلسات مجلس النواب، وتمرير مشاريع نهب إضافي أولها مرج بسري. يبقى الكثير من مهمّات الكسر، أحدها أبواب الحسابات المصرفية. لكن الأساسي فيها، والأكثر حسماً، بوابات قصر عالٍ، شدّة الهدوء من حوله تجعل قاطنيه يغطّون في نوم عميق.

المصدر المدن