لا شكّ أن إنتهاء الحرب وتوقيع “إتفاق الطائف” كانا السبب في إتمام المصالحة اللبنانية – الفلسطينية، فيما تؤكّد السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس طيّ صفحة الصدام المؤلم، والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات بين الشعبين، بعدما دفع لبنان ثمن القتال الفلسطيني على أرضه.
لكن ما يدعو إلى الإستغراب هو المواقف المتصاعدة التي اتّخذها رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة خلال زيارته الأخيرة للبنان وكأنه يستعرض في غزة أو كأن لا سيادة في هذا البلد ولا وجود للدولة ويستطيع أن يفعل ما يشاء.
إحتضن لبنان القضية الفلسطينية والقضايا العربية المحقّة، لكن أن يأتي هنيّة إلى أرضه ويقوم باستعراض كأنه يُجيّش لحملة إنتخابية فهذا أمر أثار غضب الشعب، فالبلاد يكفيها ما تعاني من مشاكل، من إنهيار إقتصادي إلى أزمة مالية خانقة وتخبّط سياسي، ليأتي إنفجار مرفأ بيروت ويُسبّب كارثة تفوق بأضعاف كل كوارث المنطقة.
“يلّي ما إلو خير لشعبو ما إلو خير لجيرانو”، ربما هذا المثل يختصر واقع حكام المنطقة وقواها السياسية، فحركة “حماس” تدور في الفلك الإيراني، وتضرب كل مساعٍ عربية لتوحيد الفلسطينيين، فقرار هنيّة ليس في غزة بل في طهران، وبالتالي، فإن ما فعلته “الحركة” هو تمزيق الأراضي الفلسطينية الممزّقة أصلاً وبناء دويلتها الخارجة عن السلطة الفلسطينية في غزّة، وفك إرتباط الضفة الغربية عن القطاع، من هنا يتساءل اللبنانيون: لماذا يأتي هنيّة إلى بلدهم ويتفوّه بخطابات عالية النبرة، بينما لا يستطيع دخول الضفة بسبب أفعال حركته التي قسّمت الشعب الفلسطيني بدل أن يسعى إلى توحيده ليقف صفاً واحداً في وجه إسرائيل؟
إستخدم هنيّة أرض لبنان صندوق بريد لتوجيه رسائل إلى دول عربية وقفت وتقف إلى جانب شعبنا في محنته. فهنيّة الذي اعتبر أنه لا يوجد تضامن عربي يعلم جيداً أن حركته كانت سبباً رئيسياً في ضرب التضامن الفلسطيني وقسمت الشعب إلى قسمين، فبدل التجنّد لمقاتلة الإحتلال الإسرائيلي بات همّ “حماس” قتال حركة “فتح” وإقامة “كونتون” في قطاع غزّة يكون موطئ قدم لإيران بالقرب من إسرائيل، وورقة تستعملها طهران للتفاوض مع أميركا والغرب، غير آبهة للقضية الفلسطينية.
ووسط تفشّي “كورونا” في لبنان وفي المخيمات الفلسطينية، أطلّ هنيّة من أكبر مخيم للاجئين في “عين الحلوة”، ضارباً كل الإجراءات الوقائية، ومحاولاً دخول المخيم دخول الفاتحين، من هنا فإن هذه الزيارة قد تكون لها إنعكاسات سلبية خصوصاً في بلد ملتهب. وتُذكّر تصرفاته وخطاباته الرنانة بفترة ما قبل الحرب الأهلية، حيث زادت الأجواء حماوة ورفعت منسوب الإحتقان وفجّرت الوضع، وكأن لبنان لا يكفيه ما يعانيه من مشاكل وأزمات.