المداورة أبرز العراقيل أمام الحكومة… ومهلة التأليف الفرنسية تضيق!

8 سبتمبر 2020

مرّ أسبوع من أصل 15 يوماً على “فترة السماح” الفرنسية لتأليف الحكومة منذ زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة الى لبنان، ما يضفي على العد العكسي الجاري لانجاز استحقاق التأليف جدية استثنائية لم يسبق ان جرت عملية تشكيل حكومة في ظل مهلة مماثلة لها وبهذا الالتزام السياسي شبه الجماعي اقله امام الرئيس الفرنسي.

وبالتالي لم يعد الوقت ترفاً، لا لرئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب ولا لرؤساء الأحزاب الذين يتفاوضون وإياه على التشكيلة المقبلة. رغم ذلك، تباعد النظرة الى الحكومة بين الطرفين يحول دون الاتفاق على تفصيل صغير فيها؛ وبالتالي كسر الجمود السائد مرتبط بخرق ما خارجي. 

ارتفاع منسوب الحماوة
ولأنّ الأسبوع الجاري سيشهد إنضاج الطبخة الحكومية العتيدة، توقعت مصادر مواكبة لمشاورات التأليف لـ”نداء الوطن” أن يزيد منسوب الحماوة والضغوط خلال الأيام المقبلة على الرئيس المكلف “لتحصيل ما يُمكن تحصيله منه على مستوى تمثيل المكونات السياسية في تشكيلته على اعتبار أنّ تعطيل التأليف خيار غير متاح فرنسياً ولعبة استنزاف الوقت غير قابلة للحياة خارج نطاق مهلة الـ15 يوماً التي حددها الرئيس إيمانويل ماكرون”، مؤكدةً أنّه “خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة ستتبلور الكثير من التوجهات في ضوء ما سيخلص إليه اجتماع قصر بعبدا المرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف”، وسط ترجيح أن يسبق أو يلي هذا الاجتماع “لقاء مفصلي” بين الرئيس المكلف وباسيل يحدد الأخير بموجب نتائجه اتجاه الأمور على صعيد “الارتباط أو فك الارتباط” بينه وبين حكومة أديب في حال عدم الأخذ بالحد الأدنى من مطالبه الوزارية.

الحكومة قريبة
وتبعا لذلك ترجح المعطيات المتوافرة لـ”النهار” ان يضع الرئيس المكلف تصوره الأول لتركيبته خلال الساعات المقبلة وان يزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاطلاعه عليه. وبات في حكم المؤكد تقريبا ان الرئيس المكلف الذي لم يقتنع بتركيبة حكومية موسعة من 22 او 24 وزيرا كما اقترح عليه الرئيس عون في لقائهما السابق يتجه الى وضع تصوره من 14 وزيرا لاختصاصيين غير حزبيين وغير منتمين سياسيا الى أي جهات ويعتمد اختيارهم على معيار الاختصاص والكفاءة. وفي المعلومات أيضا ان أديب يتولى الاتصالات اللازمة بالمرشحين المحتملين لتولي حقائب وزارية من داخل لبنان وخارجه أيضا تبعا للاختصاصات وأصحاب الكفايات. ومن النماذج على محاولات استقطاب أصحاب كفاءات عالية ان البروفسور جمال الأيوبي رئيس مركز الجراحة النسائية وطفل الأنبوب في جامعة باريس المعروف أيضا بنشاطه البارز مع الإدارة الفرنسية في تقديم الدعم الصحي والطبي والاستشفائي الى لبنان تلقى اتصالات من الرئيس المكلف في مجال اقتراح انضمامه الى الحكومة العتيدة ولكنه اعتذر متعهدا المضي بلا كلل في توفير كل مجالات الدعم للقطاع الصحي والاستفائي في لبنان. كما ان أديب يبدو حريصا على استكمال فريق اختصاصيين منسجم ومتماسك ما لم تخترق الحسابات السياسية او بعضها خطته. وتفيد معلومات في هذا الصدد بان أديب يراهن على ان يلاقيه الافرقاء كما وعدوا بالتسهيلات لتأليف فريق عمل منتج ومنسجم ولكن اذا تعذر عليه تشكيل هذا الفريق الوزاري بسبب قيود او شروط فانه سيعتذر عن تأليف الحكومة . 

وفي هذا الاطار، أكدت مصادر التقت الرئيس المكلف لـ”نداء الوطن” أنه يرى الأمور متجهة نحو خواتيم إيجابية ضمن سقف المهلة الفرنسية الممنوحة للتأليف، كاشفةً أنه “سيواصل هذا الأسبوع عملية استمزاج الآراء دون حسم أي من توجهاته، لا في الشكل ولا في تقسيم الحقائب والمداورة، على أن يضع ما يراه مناسباً من تعديلات على تصوره الأولي لحكومته تمهيداً لبلوغ مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب الأسبوع المقبل قبيل زيارته بعبدا حاملاً تشكيلته النهائية”.

الخلاف في المداورة
ويتحمور الخلاف الرئيسي اليوم حول نقاط عدة أبرزها مداورة الحقائب السيادية والأساسية. يصرّ أديب على كسر الأعراف السائدة قديماً حول تمسك طائفة معينة بوزارة ما، أو تمسك حزب سياسي بحقيبة. يريد مداورة كاملة وشاملة في كل الوزارات، ولا سيما السيادية، وذلك على ما يبدو أثار مشكلة مع القوى الرئيسية. العقبة الثانية تكمن في رغبة الرئيس المكلّف في تسمية الوزراء واختيار حقائبهم منفرداً من دون مشاورة أحد، وهو ما لا يرضاه السياسيون الذين جاؤوا بأديب رئيساً، خصوصاً أن حكومة “مستقلين” أو “اختصاصيين” لم تعد واردة في قاموس الأحزاب السياسية. فتجربة حكومة الرئيس المستقيل حسان دياب كانت غير مشجعة، وثبت لرؤساء الأحزاب أن غياب الوجوه المسيسة يمثّل نقطة ضعف للحكومة، لا نقطة قوة، خصوصاً إذا كانت مهمة مجلس الوزراء المقبل هي معالجة الملفات المُلحّة، ولا سيما “التعافي المالي” و”النهوض الاقتصادي”.

وكشفت المصادر أنّ الوزير السابق علي حسن خليل أبلغ الرئيس المكلف صراحةً بأنّ الثنائي الشيعي يعتبر “وزارة المال خارج أي مفهوم للمداورة ولا مجال للتراجع عن ذلك”، لافتةً إلى أنّ “ما عزز هذا الموقف هو ما استُشف من الاتصالات الفرنسية المواكبة لعملية التأليف بأنّ باريس لا تعارض هذا الأمر لرغبتها بأن تحظى حكومة أديب بغطاء سياسي لمهمتها الإصلاحية لا سيما على مستوى التعاون المطلوب بينها وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقرار القوانين والمراسيم ذات الصلة بهذه المهمة”.

في المقابل، يبدو كما توافرت معلومات لـ”النهار” ان ثمة معطيات برزت في الساعات الأخيرة تشير الى امكان قبول الثنائي الشيعي باعتماد المداورة في الحقائب بما يعني قبوله بذهاب وزارة المال الى غير وزير شيعي وذلك لقطع الطريق على أي فريق اخر للتمسك باي حقيبة كما ان الأحزاب والقوى السياسية لن تسمي مرشحين. وتشير هذه المعطيات الى ان “حزب الله” يبدي حرصا شديدا على عدم اغضاب الجانب الفرنسي اذ يبدي الحزب ارتياحا كبيرا لوساطة ماكرون.

والجديد القديم الذي يعود إلى الواجهة مع كل توليفة حكومية مسألة الحصة التمثيلية التي سينالها “التيار الوطني الحر” في الحكومة لا سيما وأنّ إقصاء “التيار” عن حقيبة الطاقة كان له الوطأة الأقسى على رئيسه جبران باسيل، فسعى إلى قلب طاولة المعادلة على الحلفاء عبر طرح فكرة المداورة في الحقائب، لكن بعدما خاب رهانه على إمكانية إقصاء “حركة أمل” عن وزارة المالية أسوةً بسحب بساط الطاقة من تحت أقدامه، يبدو باسيل متجهاً إلى شهر سيف “المقاطعة” والتلويح به في مواجهة حكومة أديب على قاعدة: “عليّ وعلى الثنائي الشيعي” فإما ندخل معاً الحكومة بحصص موازية أو نسحب الغطاء المسيحي عنكم!