حافي القدمين يسيرُ فوق الجمر، مؤسساتُه شِبْه هياكل عظمية، شعبُه إما تحت ركام عاصمته أو حُطام واقعه المالي – الاقتصادي، الغالبيةُ الساحقة من أهله يتعلّقون بخط الفقر وكأنه حبل النجاة من السقوط في الجحيم الحارِق، ويُلاطمون الجوعَ والمرضَ (كورونا) وصولاً إلى الموت الجارف على ضفاف الانفجار الهيروشيمي في المرفأ الذي لم يرأف ببيروت التي أطفأت قناديل الفرح والحياة.
هذه اللوحة الدراماتيكية «استعارتْها» أوساطٌ سياسية مطلعة بوصْفها المسرح الذي يتحرّك عليه ملف تشكيل الحكومة الجديدة الذي لا يبدو حتى الساعة أنه يراعي في مساره المَخاطر الوجودية التي تتهدّد لبنان بفعل «الخَلْطة القاتلة» من الأزمات المتشابكة التي ترتبط في جوانب رئيسية منها بعوامل خارجية نتيجة تَحَوُّل البلاد عربةً في قطار الصراع في المنطقة الذي تزداد سرعةُ التدافع الخشن فيه وسط خشية متعاظمة من أن يدفع الوطن الصغير ثمن التسوية الكبرى أو الصِدام الكبير، في حين فرضت وزارة الخزانة الاميركية، عقوبات على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس ووزير المال السابق علي حسن خليل، لانهما «تورطا بعمليات فساد».
واكدت الوزارة ان واشنطن لن تتردد في معاقبة أي فرد أو كيان يدعم «أنشطة حزب الله الإرهابية والمحظورة».
ونبه وزير الخزانة ستيفن منوتشين في بيان إلى أن «الولايات المتحدة تدعم شعب لبنان في مطالبته بإصلاحات، وستواصل استخدام كل السبل المتوافرة لديها لاستهداف من يقمعونه ويستغلونه».
وانطلاقاً من هذا الواقع المدجّج بالألغام، تزداد الخشية لدى أوساط ديبلوماسية من تفويت اللبنانيين فرصةَ التقاط الأنفاس التي توفّرها المبادرةُ الفرنسيةُ التي يشكّل نقطةَ انطلاقِها تأليفُ حكومةٍ تعطي إشارةَ الانعطاف في السلوك نحو إصلاحاتٍ بنيوية وهيكلية على قاعدة إقامة «مسافة آمنة» بين الطبقة السياسية و«حكومة المَهمة» التمهيدية لترتيبِ مجمل الوضع اللبناني، وخصوصاً مسألة «حزب الله» والتموْضع الإستراتيجي للبلاد.
ومع انقضاء نصف المهلة التي حدّدها الرئيس إيمانويل ماكرون بـ 15 يوماً لإنجاز الحكومة وفق الرسْم التشبيهي الذي يرتكز على وظيفة الإصلاح واستطراداً بدء استعادة ثقة المجتمع الدولي و«إلا نفْض اليد» ووضْع المُعرْقلين في قفص الاتهام المفتوح على العقوبات، لم يكن ممكناً تفكيك شيفرة مسار التأليف الذي لا يبدو واضحاً فيه إلا أن الرئيس المكلف مصطفى أديب يديره بآليةٍ تُرْبِك الطبقة السياسية على
مستوييْن:
الأول تفاديه تكرار تجارب تجرّه إلى «شرْك» تكريس شَراكاتٍ له في التشكيل، وتَمَسُّكه بإطارٍ عام لطبيعة الحكومة وشكلها، مفتاحه أن تكون مصغّرة (من 14 أو 16 وزيراً) وأن تحكمها مداورةٌ في الحقائب السيادية والأساسية تكسر منطق تخصيصها طائفياً وسياسياً، وأن يكون الوزراء الذين يختارهم هو، أصحاب كفاءة واختصاص بعيداً عن أي ولاءات سياسية – حزبية، باعتبار ذلك المعيار الرئيسي الذي تنطلق منه روحية الإصلاح.
والثاني وضْع خط نهاية واضح عنوانه إما حكومةٌ بمواصفات المرحلة الحرجة التي يمرّ بها لبنان ووفق ما يتطلع إليه المجتمع الدولي وضمن «التوقيت الفرنسي» وإلا الاعتذار ورمي كرة النار في ملعب المعطّلين.