كتب منير الربيع في “المدن”: افتُتِحت العقوبات الأميركية بالوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس. وهي تفتتح مرحلة سياسية جديدة: انتهاء الفصل بين الجناح السياسي والعسكري للثنائي الشيعي، وإيصال رسالة للأطراف المتحالفة مع حزب الله، بما فيهم رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره، وعلى رأسهم جبران باسيل.
فرح العونيين الموقت
وعلى الرغم من أن العقوبات طالت شخصيتين من أشد المعارضين للعونيين ولباسيل شخصياً، فإنها في نصها ومضمونها يتطابقان مع موقف أعلنه رئيس الجمهورية في إحدى مقابلاته مع الصحافة الغربية قبل أيام، اتهم فيه علي حسن خليل بتلقي أموال من متعهدين. وأرفق عون موقفه هذا بعزمه على الاستقالة من رئاسة الجمهورية، في حال تبين أن أحداً من عائلته متورط بالفساد.
وبما أن هذه الدفعة من العقوبات لم تطل صهره وغيره من جماعته، فلا بد له من استثمار “براءتهم” من الاستهداف الأميركي الراهن في هذه المرحلة، على اعتبار أنها طالت حليفين يتنافسون معه ويشكلون قوة فعلية في معارضته، أي حركة أمل وتيار المردة.
لكن “فيلم” العقوبات لا يزال في بدايته. وهناك مصادر تقول إن عدم شمولها جبران باسيل أو مقربين منه، يعني أن ضرورات إبقاء السيف مسلطاً على السياسيين اللبنانيين واستمرار “الفيلم” يقتضيان عدم موت “البطل” في بداية العرض.
مأزق الثنائي الشيعي
ويفترض بالعقوبات الأميركية أن تمنح المبادرة الفرنسية دفعاً جديداً، خصوصاً أن ماكرون لوح بعقوبات على المسؤولين اللبنانيين لمنع عرقلتها. والأميركيون يؤيدون مبادرة ماكرون وفق شروطهم، الثلاثة الأبعاد:
الأول، هو القول للفرنسيين إنه لا يمكن تأجيل النقاش في موضوع حزب الله. وهذا ما أعلنه ديفيد شينكر، عندما أشار إلى الاختلاف بين الرؤيتين الأميركية والفرنسية حول أدوار حزب الله. وواشنطن تقول في هذه المسألة: لا يمكن تكرار الخطأ نفسه الذي ارتكب في التسوية الرئاسية العام 2016، والتي بينت أن حزب الله أزمة خارجية لا علاقة للبنان واللبنانيين بها، ولا يمكن تسليمه كل شيء في لبنان والتشارك معه. وبالتالي لا يمكن لموضوع الحزب أن يكون مؤجلاً.
البعد الأميركي الثاني، يطاول تعقيد مسألة توزيع الحقائب الوزارية ونوعية أشخاص الوزراء، وخصوصاً وزارة المال وارتباطها بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ومن المفروغ منه أن حزب الله وحركة أمل لا يتنازلان بسهولة في هذه المسألة. وبعض مواقف الرئيس نبيه برّي تشير إلى أنه لن يرضخ للضغوط، ليبدو وكأنه استسلم للأمر الواقع، وقَبِل بما اتُهم به أقرب المقربين منه.
وربما يكون الجواب على مسألة وزارة المال في إطار الميثاقية: إذا اتهم شخص ما معين من جماعة، فلا ينبغي معاقبة الجماعة كلها. أي لا يمكنه التخلي عن وزارة المال، بل إيكالها لشخص آخر وكفوء من جماعته.
لكن من الواضح أن رئيس الجمهورية وصهره يريدان توظيف العقوبات لصالحهما، للحصول على حقيبة المال. أما إذا ظل الثنائي الشيعي متمسكاً بوزارة المال، بعدما شملت العقوبات وزيراً سابقاً للمالية، فيكون لبنان بحكومته الجديدة قد ذهب في مواجهة جديدة مع أميركا. وموقف حزب الله وحركة أمل من مسألة ترسيم الحدود يكمل هذه الصورة – المواجهة. وفي حال حصول توافق معين في هذه المسائل، تكون مسيرة التنازلات قد بدأت. أما إذا لم يحصل التوقيع قريباً، فإن المواجهة ستكون مستمرة.
هل نجا عون وباسيل؟
البعد الأميركي الثالث المترتب على العقوبات، هو تجاوز التشدد في عدم تمثيل حزب الله في الحكومة، إلى وجهة جديدة: فرض شروط على تمثيل حلفاء الحزب، ووفق أي معايير يمكن تمثيلهم في الحكومات.
صحيح أن العقوبات تشكل رسالة تهديد واضحة للعونيينّ، الذين لديهم ما يستندون إليه لحماية أنفسهم من آثارها. وهذا يفتح المجال لتساؤلات كثيرة عن المصلحة أو الحسابات الأميركية في تجنّبها فرض عقوبات على العونيين. وقد يرتبط الأمر بموقف أعلنه باسيل سابقاً: إعلانه عدم الخلاف الأيديولوجي مع إسرائيل، وإطلاق سراح عامر الفاخوري.
وهناك أيضاً موقف لعون أعلنه لدى سؤاله عن إمكان تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فأجاب: لا بد من حلّ بعض الخلافات معها. مثل هذه المواقف، إلى جانب ما يدور في الكواليس، قد تكون مؤشراً للمرحلة المقبلة، إنطلاقاً من موضوع ترسيم الحدود، وصولاً إلى ما سيأتي بعده.