في السابق، كان كل من رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل يتنافسان على حجز تأييد “حزب الله” في المعركة الرئاسية، لكن بعد العقوبات قد يتسابقان للقول إنهما ليسا مرشّحَي “الحزب” بل إنّ الأمر لا يعدو كونه تحالفاً ظرفياً، لكن الواقعية تشير أيضاً إلى أن باسيل قد يفعلها لكن فرنجية أكثر مبدئية.
لا شكّ أن “حزب الله” مهتمّ بحلفائه لأنه يستخدمهم ضمن التركيبة اللبنانية من أجل بسط سيطرته على المؤسسات، فهو لا يستطيع أن يضع شيعياً من كوادره رئيساً للجمهورية أو رئيساً للحكومة أو في أي مركز آخر، وبالتالي فإن عليه الحفاظ على حلفائه كي يضمن بقاء قبضته على السلطة وعدم وصول رئيس لا يسير بمشروعه ويغطّي الدويلة.
ويعلم الجميع أن رئاسة الجمهورية تخضع للموازين الداخلية لكن الأهم أن التوازنات الإقليمية والدولية هي التي تحسم اسم الرئيس، من هنا فإن تقدّم المحور السوري – الإيراني في العام 2016 ساعد في وصول العماد ميشال عون إلى بعبدا.
ويبدو الوضع اليوم مختلفاً كلياً مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، إذ إن واشنطن التي تسعى إلى التخلّص من نفوذ إيران في المنطقة وإعادة “حزب الله” إلى حجمه الطبيعي، لن تسمح هذه المرة بوصول رئيس من صلب المحور السوري – الإيراني، خصوصاً إذا ما نجح ترامب بالتجديد لنفسه ولاية ثانية، علماً أن الديموقراطيين والجمهوريين لديهم النظرة نفسها تجاه الوضع اللبناني، ولا يعني إنتخاب المرشح الديموقراطي جو بايدن إطلاق يد إيران مجدداً في لبنان والمنطقة.
ومهما تكن العوامل والأسباب، إلا أن لبنان دخل مرحلة جديدة بعد انفجار 4 آب وأصبحت العين الدولية “مفتّحة” عليه، وبات الفرنسي والأوروبي في قلب اللعبة الداخلية، ولن يتساهل الأميركي مع أي وضع جديد شاذ أو يسمح بوقوع الدولة اللبنانية بين أيدي “حزب الله”.
ولا يفكّر الأميركي حالياً بفتح المعركة الرئاسية إذ إنه لا يضع في سلّم أولوياته إنهاء ولاية عون، بل يتعامل معه على “القطعة” وكل ملف بملفه، لذلك لا يتم التركيز داخلياً على إسقاط عون بعدما قدّم له باسيل أوراق اعتماد في الفترة الاخيرة، لكن الأميركي لديه نظرة أوسع وأشمل وهي إنهاء الطبقة السياسية الفاسدة سواء كانت من الخصوم أو الأصدقاء لأنه لم يعد بالإمكان السكوت عن التجاوزات التي تحصل.
وأمام كل ما يحصل، فإن العقوبات الأميركية ستتطوّر وستصيب نيرانها شخصيات جديدة، لذلك فإن فرضها على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس هو رسالة إلى فرنجية أيضاً، بأن الإستمرار في دعم سياسة “حزب الله” وإبقاء العلاقات مع النظام السوري على ما هي عليه وسط سريان مفعول قانون “قيصر”، هما من العناصر التي ستمنعه من الوصول إلى قصر بعبدا، لأن الإدارة الأميركية لن تسمح بوصول رئيس داعم لـ”حزب الله” والرئيس بشار الأسد، ويرى الأميركي أنه إذا ساعد فنيانوس “الحزب” بهذا الشكل من منصبه كوزير للأشغال فماذا سيفعل فرنجية إذا وصل إلى بعبدا؟ وما ينطبق على فرنجية، ينطبق على باسيل، لكن الأخير أكثر مرونة وليس مبدئياً. لكن لا بوادر حالياً الى إمكان فسخ تحالفه مع “حزب الله”، وبالتالي فإن الأميركي سيبقى رافضاً لأي رئيس على شاكلة عون، كما أن باسيل يواجه رفضاً داخلياً شرساً خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، وتعرضه للعقوبات سيؤدي إلى القضاء على أحلامه الرئاسية.
ويبدو واضحاً ان ما يسري على رئاسة الحكومة سينطبق على رئاسة الجمهورية، ويُعتبر إنتخاب رئيس من 8 آذار انتحاراً في وقت تتعرّض فيه البلاد للحصار بسبب تصرفات الطبقة السياسية. من هنا يضيق الخناق أكثر وأكثر على المسؤولين، وتبتعد الأحلام الرئاسية عمّن ظنّ أنه أصبح على بعد أمتار من الوصول إلى بعبدا… أو “ينام” فيها.