بعد انفجار مرفأ بيروت اخذت فرنسا دفعاً كبيراً للتحرك في لبنان، وعلى هذا الاساس شاهد اللبنانيون الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرتين في بيروت في اقل من شهر. من وجهة نظر الفرنسيين أن الانهيار يعني انتهاء النفوذ الغربي وتحديدا الاوروبي في لبنان وتمدد النفوذ التركي الى هذا البلد الصغير.
انطلاقاً من هذه الرؤية، ولأن لحظة الانفجار كانت كفيلة بعدم عرقلة واشنطن اندفعت باريس الى بيروت بمبادرة تبدو عناوينها الكبرى متكاملة وواضحة المعالم، اصلاحات، دعم مالي لوقف الانهيار، عقد سياسي جديد. أولوية الاولويات عند فرنسا هي وقف الانهيار. أما محاربة “حزب الله” فهو في آخر سلم الاولويات.
لدى الاميركيين “حزب الله” اولوية، لكن ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب غير متفقة على ما اذا كان الانهيار المالي والاقتصادي الكامل مفيدا او مضرا لتحقيق هذه الاولوية. بعد انفجار المرفأ استطاعت فرنسا اقناع واشنطن بأن الانهيار الذي سينتج عن تدمير مرفأ بيروت لا يمكن احتواء نتائجه وان من يريد محاصرة “حزب الله” لا يمكنه ترك البلد ينهار.
حصلت المبادرة الفرنسية وتم تكليف الدكتور مصطفى اديب، بقيت حلقة ناقصة في التسوية، بعدما استطاعت باريس اقناع طهران بأن تكون الساحة اللبنانية بمعزل عن الساحة الاقليمية، المملكة العربية السعودية.
كان لا بدّ من ان تدخل السعودية في التسوية كي تكون تسوية متكاملة الاطراف، وكان التعويل ان يقوم ماكرون بإقناع الرياض بأهمية التسوية في لبنان، لكنه لم يفعل، او أقله لم تقتنع السعودية.
لم تعرقل الرياض عمل الفرنسيين، لكنها بقيت على موقفها القائم على اللامبلاة الكاملة تجاه الساحة اللبنانية، فأي اهتمام اقتصادي او مالي او حتى سياسي سيستغله الحزب ليشكل به غطاء لسياسته وحركته الداخلية والاقليمية.
تهتم الرياض يإعادة التوازن الكامل الى السلطة السياسية في لبنان، واي تسوية يجب ان تحصل بنظرها يجب ان تتضمن هذا الامر، وعليه فإن الضغط على الحزب لا يجب ان يتوقف قبل الحصول منه على مثل هذه التوازنات..
لكن المبادرة الفرنسية تعرضت من دون اي مقدمات لضربة اميركية، اذ بدأت العقوبات المالية على حلفاء الحزب ضمن مسار سيستمر في الاسابيع المقبلة، الامر الذي كانت باريس قد اعطت ضمانات بأنه لن يحصل في القريب العاجل.
عادت واشنطن وطهران الى اقصى درجات الاشتباك في المنطقة، في الامن والسياسة، وعاد لبنان ساحة من ساحات الاشتباك، ولعل العقوبات الاميركية ليست سببا للعرقلة، بل هي تمظهر لعودة الصراع في لبنان.
حتى الآن استطاعت السعودية التقدم بالنقاط على حليفتها فرنسا من دون ان تحرك ساكناً، فقد عادت واشنطن او تكاد الى وجهة النظر السعودية.