لم يمنح فريق داخلي لبناني غطاءً لحزب الله في مشروعه الداخلي وتمدّده الخارجي كما فعل التيار الوطني الحر، ومع ذلك نجا رئيسه جبران باسيل من العقوبات الأميركية التي تفرضها الإدارة الأميركية تحت ذريعة “معاقبة داعمي حزب الله”. في وقت كانت التوقعات تشير إلى استهدافه أو المقرّبين منه برزمة من العقوبات، أتت لتطال منافسًا له في معركته الرئاسية، ومعاكسًا شرسًا لمشاريعه وطموحاته الرئاسية، أي النائب فرنجية والرئيس بري. فما الذي فعله باسيل لتجنّب كأس العقوبات؟ وما هي الأسباب وراء تحييده طالما أنّ إدارة ترامب توصّف عقوباتها بإطار من يدعم حزب الله؟ وهل أضحى باسيل، أبرز حلفاء حزب الله، خارج دائرة الإستهداف الأميركي؟
هذه التساؤلات تُثار لدى المراقبين اللبنانيين،، خصوصًا وأنّ البنود التي عُوقب على أساسها الوزيران السابقان فنيانوس وحسن خليل تنطبق على باسيل. وفق مقاربة المحامي رئيف خوري الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية والقانون الدستوري، عمد باسيل ومنذ فترة إلى تقديم أوراق اعتماد للأميركيين لتجنّب عقوباتهم، من دون أن يعني ذلك أنّه أصبح خارج دائرة استهدافهم، لا بل أنّهم يدفعونه لتقديم المزيد من التنازلات، مشبّها الحالة وكأنّهم “يعصرون الليمونة حتى آخر قطرة”. خوري وفي حديث لـ “لبنان 24” لفت إلى أنّ باسيل أجرى تفاهمات خفيّة مع الإدارة الأميركية، بعضها ظهر جليًّا، وبعضها الآخر سيبقى خفيًّا، فالولايات المتحدة دولة عظمى، تحتفظ بتفاهماتها بشكل سري.
باسيل فعل اللازم ولكن
وفي قراءة لمواقف باسيل ذكّر خوري بما قاله على أنّ “الخلاف مع إسرائيل ليس أيديولوجيًّا” ثمّ أعقبه بتصريح آخر عن حقّ اسرائيل بالوجود الآمن “نحن لا نرفض أن يكون هناك وجود لإسرائيل وبحقها في العيش بأمان”. ليس هذا فحسب بل أنّ رئيس الجمهورية وفي مقابلة له مع شبكة “بي أف إم تي في” الإخبارية الفرنسية، تحدّث عن وجوب حلّ المشاكل مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق سلام معها، وذلك في معرض ردّه على سؤال حول ما إذا كان مستعدًّا للتوصّل إلى إتفاق سلام مع اسرائيل.
وفي قراءة لمواقف باسيل ذكّر خوري بما قاله على أنّ “الخلاف مع إسرائيل ليس أيديولوجيًّا” ثمّ أعقبه بتصريح آخر عن حقّ اسرائيل بالوجود الآمن “نحن لا نرفض أن يكون هناك وجود لإسرائيل وبحقها في العيش بأمان”. ليس هذا فحسب بل أنّ رئيس الجمهورية وفي مقابلة له مع شبكة “بي أف إم تي في” الإخبارية الفرنسية، تحدّث عن وجوب حلّ المشاكل مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق سلام معها، وذلك في معرض ردّه على سؤال حول ما إذا كان مستعدًّا للتوصّل إلى إتفاق سلام مع اسرائيل.
أضاف خوري “في واقعة فاضحة قام باسيل بالضغط على الهيئات القضائية والعسكرية وعلى المحكمة العسكرية لإطلاق العميل الإسرائيلي عامر فاخوري، وتمّ السماح لطائرة أميركية خاصة بالهبوط والإقلاع من السفارة الأميركية في عوكر لترحيله. رسالة أخرى وجّهها باسيل للولايات المتحدة، عندما طالب باسترداد ملف ترسيم الحدود البحرية من يد الرئيس بري وإعادته إلى الحكومة، وهو مطلب أميركي، عبّر عنه كذلك كل من الرئيسين عون والحريري، عندما طلبا من بري إستعادة الملف، بموجب المادة 58 من الدستور اللبناني. لم يكتف باسيل بذلك، بل تراجع عن اندفاعته لزيارة دمشق والمصالحة مع النظام السوري، وهو الذي وقف على منبر جامعة الدول العربية مطالبًا بإعادة كرسي سوريا إلى مقر الجامعة، ولكنّه لم يعد راغبًا بمساندة النظام بعدما اغاظت مواقفه الإدارة الأميركية، فسارع لتقديم هذه الفواتير تمهيدًا لتقديم أوراق إعتماده كمرشح لرئاسة الجمهورية”.
بالمقابل تقديم باسيل للتنازلات، محكوم بسقف تفاهمه وعلاقته بحزب الله، خصوصًا أنّ وصوله للرئاسة لن يكون ممكنًا من دون دعم الحزب . فهل يعتبر ما قدّمه باسيل كافٍ؟ وهل نجا من سيف عقوباتهم في الدفعات المقبلة؟
جوابًا يعتبر خوري أنّ “الولايات المتحدة لا تتعاطى بالعواطف، إنّما تحكم على المسار العام، فباسيل يقدّم التنازل تلو الآخر، وواشنطن تعرف كيف تعصر الليمونة لآخر نقطة، ولديها أوراق ضغط تستثمرها، في سياقها يندرج استقبالها قائد الجيش العماد جوزف عون كاستقبال رؤساء الجمهورية، وهو منافس رئاسي له يحظى بدعم أميركي واضح، ثمّ تقديمها المساعدات اللوجستية واللاسلكية والمخابراتية والمادية والعتاد، دون المرور في وزارة الدفاع في غالب الأحيان، الأمر الذي أغاظ باسيل، فحاول إزاحة عون”.
يضيف خوري “بالتوزاي مع أدائه ورسائله الخارجية، يعلم باسيل أنّه لن يكون مرشّحًا جدّيًّا للرئاسة دون موافقة حزب الله، الذي عطّل البلد سنتين ونصف ليأتي بالعماد عون رئيسًا. لذلك يمنح باسيل الحزب غطاءً، بما في ذلك حروبه، منها حرب 2006 وتدخّله في سوريا والعراق واليمن والبحرين، وفي عملياته في بلغاريا وفي بلدان أوروبية أخرى وأفريقية، وفي تخزين اليورانيوم وغيره من المواد المتفجّرة، وهو بذلك يعيد نفس الكرّة التي اتبعها عون في معركة الرئاسة، وجرت التسوية القاتلة التي قامت بها القوى الداخلية من جعجع والحريري وجنبلاط بتأييد هذا الترشيح. ويعلم باسيل أنّ كتلته النيابية ونسبة التأييد تدنّت في الشارع المسيحي. هذه العوامل الداخلية دفعته لرفض الإنتخابات النيابية المبكرة أو الإحتكام لصوت الشعب، وهم الذين طالبوا سابقًا بانتخابات رئاسية من الشعب مباشرة. وأكثر من ذلك سيعمد باسيل إلى رفض إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها بعد انقضاء ولاية المجلس الحالي بعد سنة ونصف، كونها تحجّم كتلته وتثبت التراجع الكبير بشعبية التيار، بما لا يساعد جبران على خوض انتخابات الرئاسة، لا سيّما أنّ حزب الله الذي لم يتمكّن من حماية حكومة دياب، لن يكون قادرًا على حماية ترشيح باسيل”.
خارجيًا حاول باسيل تسويق ترشيحه لدى عواصم القرار منها موسكو، لكن بوتين وفق رؤية خوري، لم يتحمس للأمر، والدول الخليجية اختبرته جيدًا، أمّا الرئيس الفرنسي المهتم بالمحافظة على عهد الرئيس عون، والذي صوتت بلاده لصالح القرارين 1559 و1701 وتجاهلهما ماكرون في بيروت، فلن يبقى رئيسًا للأبد في فرنسا.
يخلص خوري في مقاربته “مجمل الوضع الداخلي والعربي والإقليمي والأوروبي والدولي غير مساعد لباسيل لتحقيق طموحه، فالعقوبات ستطاله لا محالة وستبدأ بالوزير السابق سليم جريصاتي، وهذا سيكون إشارة واضحة أنّ دوره آتٍ لا محالة”.
بأي حال يبدو أنّ مسار العقوبات الأميركية أخذ منحًا تصاعديًا، ولن يرتبط فقط بحسابات تأليف الحكومة، ووقع ارتداداته على الداخل اللبناني لا يمكن التكهن بنتائجه، في ظل الكباش الحاصل في المنطقة بين القوى العظمى، ليس فقط على مناطق النفوذ، بل على ثروة الغاز والنفط الكامنة تحت الأعماق.