كتبت “الراي” الكويتية: 72 ساعة حاسمة دَخَلها لبنان ولا خيار في نهايتها إلا بين انفراجٍ مرْحليّ تنتقل معه البلاد إلى غرفة انتظارِ المسارات الكبرى في صراعات المنطقة مع “مبرّدات” سياسية – مالية، وبين انفجارٍ يعمّق أزمتَها الشاملة بانقطاع حبْل المبادرة الفرنسية التي تبدو معها باريس كأنها تمارس “ركوب الأمواج” العاتية التي تعصف بالواقع اللبناني الذي انزلق من محاولة النجاة على متن “سفنية مثقوبةٍ” تُلاطِم عواصف الإقليم إلى مقارعة البحر الهائج على… لوحٍ خشبي هائم.
وفيما كانت أوساطٌ مطلعة تتداول صورةً كاريكاتوريةً على طريقة المُضْحِك – المُبْكي باتت حديث الصالونات السياسية ومفادها أن لبنان وطبقته السياسية صارا محكومين في هامش التحرّكِ والمناورةِ على تخوم ملف تشكيل الحكومة الجديدة بمعادلةِ “يد” الرئيس إيمانويل ماكرون أمامهم ممدودةً على قاعدة المبادرة بشروطها ومهلتها الزمنية (تنتهي الأربعاء) وخلْفهم “عصا” الرئيس دونالد ترمب وعقوبات واشنطن الزاجرة التي بدأت تصيب سياسيي الصف الأول من حلفاء حزب الله، بقيتْ بيروت في ما يشبه “العمىط حيال مآل الملف الحكومي الذي يُعتبر البوصلة لتحديد اتجاهات الريح في الأزمة اللبنانية التي تُسابِق انهياراتٍ مالية واقتصادية متوالية تشي بأعظم آتٍ حين يدقّ البنك المركزي، بعد أسابيع معدودة، جرس انتهاء قدرته على دعْم السلع الاستراتيجية (محروقات ودواء وطحين).
وبقيَ سيناريوهان يَسيران جنباً إلى جنب على جبهة تأليف الحكومة، إمكانُ نجاح الرئيس المكلف مصطفى أديب على حافة “المهلة الفرنسية” في اجتراحِ مَخارج للتعقيدات التي مازالت تعترض ولادةً تَوافُقية لتشكيلة اختصاصيين “لا يلقون معارضة من ممثّلي الأحزاب”، وفشل المساعي الرامية إلى إيصال هذا الملف لخواتيمه المذيَّلة بـ “الختْم الفرنسي” وتالياً فتْح الوضع على مرحلة حَرِجة يُلاقي معها لحظة الحلول في المنطقة أو الاصطدام الكبير بانكشافٍ كاملٍ يُخشى أن يرتّب مخاطر وجودية على الوطن الصغير.
وفي حين ارتفعتْ أمس أسهم التشاؤم حيال احتمال تحقيق اختراقٍ وشيك يكسر دائرة المراوحة في المأزق وسط إشاراتٍ من باريس إلى أن مهلة الـ 15 يوماً غير قابلة للتمديد إلا ليومين إذا توافرتْ كل العناصر التي تجعل هذه الساعات الإضافية لترجمةِ توافقاتٍ حقيقية تُفضي إلى “حكومة ماكرون” اللبنانية، كانت أجواء أخرى تفيد بأن الأمور ليست مقفلة بالكامل وثمة محاولات متجددة لإنضاج طبخةٍ حكومية “تحت النار” الفرنسية القوية تنطلق من تفكيك أم العقد التي بات يشكّلها تَصَلُّب الثنائي الشيعي حزب الله ورئيس البرلمان نبيه بري في التمسك بحقيبة المال باعتبارها “ميثاقية ولا نقاش في هذا الأمر“.
وقاربت هذه الأوساط بحذر شديد احتمالاً ثالثاً جرى الترويج أن رئيس الجمهورية ميشال عون ربما يلجأ إليه حين يقصده أديب ومعه تشكيلته التي وضعها بمعزل عن التشاور مع الأطراف الرئيسية وبما يُراعي الشروط التي يراها ضرورية لفريق عمل متجانس بعيداً من لعبة المحاصصة التقليدية وعلى قاعدة كفاءات لا ولاءات سياسية لهم ومع كسْر “محرّماتِ” تدوير الحقائب التي تَحَوّل بعضها “محميات” طائفية – حزبية، وهي المعايير التي تحظى برعاية فرنسية.
ويتمثّل هذا الاحتمال في أن يعمد عون إلى توقيع مرسوم تشكيلة الأمر الواقع وترْك أمر إسقاطها إلى البرلمان عبر عدم نيْلها الثقة النيابية، من باب الرغبة في تجنُّب أن يتحمّل في شخصه ومَن يمثّل سياسياً (التيار الوطني الحر) مسؤولية إسقاط “الفرصة الأخيرة” الفرنسية وتلافياً لوقوفه وجهاً لوجه أمام ماكرون الذي كان لوّح بعقوباتٍ على المسؤولين كـ “آخِر الكلام” بحال لم يفوا بالتزاماتهم تجاه حكومة الإصلاح التي يوازي فيها الشكلُ المضمونَ أهميةً.
ناهيك عن أن رمي كرة عدم اكتمال النصاب الدستوري لحكومة أديب في ملعب البرلمان، يمكن أن يوجّه بدوره أكثر من رسالة ذات صلة بأن “الأكثرية النيابية هنا” (يشكل حزب الله قاطرتها) بامتدادها الإقليمي ولا يمكن القفز فوقها، وهذه نقطةٌ ظَهَرَ أنها محورية في إصرار أطراف السلطة يتقدّمهم الثنائي الشيعي على أن يكون الوزراء الاختصاصيون ولو تَمتّعوا فقط بـ”نكهةٍ” سياسية مسميين من القوى التي ستمنح الحكومة الثقة. وإذ رأت الأوساط نفسها أن دون هذا الاحتمال مُخاطَرة أن عدم منْح الثقة للحكومة سيجعل أديب رئيساً لحكومة تصريف أعمال بتشكيلةٍ لا ترضى عنها الغالبية النيابية، وهو ما توفق أضراره سيناريو اعتكاف الرئيس المكلف الذي وُضع على الطاولة بالتوازي مع خيار الاعتذار بحال لم يوافق عون على التشكيلة التي سيحملها، فإنها اعتبرت أن من الضروري تَرَقُّب ما سيقوم به ماكرون (كان اتصل الجمعة بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وناقش معه الوضع في لبنان) في الساعات الأخيرة من مهلته، وسط رهان على تَدَخُّل مباشر جديد له لمحاولة حضّ مختلف الأطراف على التقاط الفرصة الفرنسية قبل فوات الأوان، ولا سيما بعدما حملتْ الساعات الماضية إشاراتِ تَشَدُّد شيعي حيال حقيبة المال زادتْ من حدّتها العقوباتُ الأميركية على وزير المال السابق علي حسن خليل.
وفي حين كان لافتاً كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن “رفض الحزب ان تكون الحكومة المقبلة من المستقلّين بل أن تكون مطعّمة بالسياسة والتكنوقراط أو الاختصاص”، يسود اليوم تَرَقُّب لكلمة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن رؤية تياره لتأليف الحكومة والمبادرة الفرنسية كما ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وسط تقديراتٍ بأن يعلن عدم مشاركة حزبه في الحكومة بأي شكل.