أديب يرمي كرة التأليف على طاولة بعبدا اليوم… ترقب لموقف عون في ظل الضغوط الفرنسية

14 سبتمبر 2020
أديب يرمي كرة التأليف على طاولة بعبدا اليوم… ترقب لموقف عون في ظل الضغوط الفرنسية

هل قضي الأمر، وسيسلّم الرئيس المكلف مصطفى أديب اليوم الرئيس ميشال عون تشكيلة وزارية اختصاصية مصغرة؟ واذا ما تقدم بها اليوم ماذا سيكون موقف الرئيس ميشال عون عندما يقدم له، الرئيس المكلف مصطفى اديب تشكيلته الوزارية من 14 وزيراً؟ هل يتريث من اجل انقاذ لبنان، ام يكون تريثه لانقاذ تحالف 8 آذار الهائج بوجه المبادرة الفرنسية، التي اعلن الرئيس ايمانويل ماكرون انه ليس بوارد تعديلها أو تجزئتها.

واذا كانت المعلومات تشير الى ان مصادقة بعبدا عليها شبه مؤكدة عاجلاً ام آجلاً، الاّ ان الأنظار تتجه الى مجلس النواب، وتالياً إلى جلسة الثقة النيابية وما قد ينتج عنها من سيناريوهات ترسم نهاية الحكومة، سواء أكانت سعيدة أو حزينة.
الحكومة على طاولة بعبدا
اذاً، يضع اليوم الرئيس المكلف تصوره الحكومي على طاولة القصر الجمهوري، وتشير المعطيات المتوافرة ل”النهار” الى ان أديب انجز تشكيلته الحكومية من 14 وزيرا كما تمسك بذلك من البداية وهذه التشكيلة قد تكون بمثابة حكومة غير مسبوقة لجهة توزيع حقائبها على وزراء اختصاصيين مستقلين غير سياسيين وغير حزبيين ولا وجود فيها لاي نواب او وزراء سابقين او مرشحين خسروا في الانتخابات، وبعض الأسماء فيها هم من المجلين في قطاعات اختصاصاتهم خارج لبنان. وأفادت المعلومات ان هذه التشكيلة في حال أبصارها النور ستكون مطابقة تماما للمعايير المبدئية التي تضمنتها المبادرة الفرنسية بحيث تمكن الحكومة من التفرغ لمهماتها المحددة لترجمة البرنامج الإصلاحي المتفق عليه في الورقة الفرنسية ومشروع البيان الوزاري للحكومة. وقد اعتمد الرئيس المكلف في تشكيلته مبدأ المداورة الشاملة في التوزيع الطائفي في كل الحقائب السيادية والخدماتية الأساسية.
وقالت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ”اللواء” ان زيارة رئيس الحكومة المكلف اليوم الى قصر بعبدا ليست بالضرورة ان تكون فاصلة لجهة تأليف الحكومة انما في هذه الزيارة يطلع رئيس الجمهورية على التصور الذي يقدمه رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب.

 واكدت ان الصورة تتضح اليوم بعد تقديم الدكتور اديب لائحة بالأسماء وبالتالي يمكن تبيان الخطوة المقبلة بعد كل المواقف التي صدرت في اليومين الماضيين مع العلم ان اي حديث عن مشاورات جديدة يجريها رئيس الجمهورية حول الوضع الحكومي مع رؤساء الكتل النيابية قد يكون واردا لكن لا بد من انتظار لقاء اليوم.

وأشارت مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، إلى أنّ “هذه التشكيلة أعادت من جهة الحياة إلى اتفاق الطائف بوصفه نظاماً دستورياً ناظماً لسير الاستحقاقات الدستورية في لبنان، ومن ناحية ثانية أطاحت بكل الأعراف والبدع الخارجة عن منطوق الدستور في عملية تشكيل الحكومات في لبنان، حيث لا تأليف قبل التكليف ولا ثلث معطل ولا حقيبة حكر على طائفة دون سواها”، ولفتت إلى أنّ “الكاسحة الفرنسية التي واكبت خطوات أديب، استطاعت أن تفكك كل التعقيدات التي لطالما كانت تزنّر الخاصرة الحكومية وتفخخ الدستور بألغام تستقوي تارةً بالسلاح وطوراً بالسطوة الحزبية والطائفية”.
أما في ما خصّ مسألة المداورة في الحقائب، فرجحت أوساط متابعة لـ”نداء الوطن” أن تشمل مختلف الوزارات السيادية، بحيث يتولى على سبيل المعطيات الأولية، شخصية سنية حقيبة المالية، وأخرى شيعية الداخلية، ومارونية الدفاع، وروم أرثوذكس الخارجية، غير أنها أكدت في الوقت عينه أنّ “الإشكالية التي حصلت حول وزارة المالية لم تكن إشكالية شيعية بحتة بمعنى أنّ الرئيس المكلف لم يهدف إلى إقصاء الشيعة عن هذه الحقيبة، إنما المسألة كانت متصلة بمبدأ رفض فرض أي احتكار طائفي لأي من الحقائب الوزارية”، كاشفةً أنّ “الترشيحات التي برزت خلال الساعات الأخيرة للشخصيات الشيعية التي ستتولى حقيبة الداخلية تراوحت بين تسمية ضابط متقاعد من آل شحيتلي غير منتم وغير مستفز للثنائي الشيعي، وبين ذهاب البعض إلى الحديث عن إمكانية ترشيح اللواء عباس ابراهيم لتولي وزارة الداخلية”.
عون يتريث؟
وتوقعت مصادر واسعة الاطلاع ان يتريث رئيس الجمهورية في اتخاذ موقفه من التشكيلة التي سيعرضها عليه الرئيس المكلف ريثما يتم إيجاد مخارج لعقدة حقيبة المال خصوصا اذا كان أديب قد ناطها بوزير غير شيعي وكذلك لعقد محتملة أخرى قد تبرز من خلال التشكيلة التي وصفت بانها استثنائية وغير تقليدية اطلاقا. وبرزت معالم الرفض الشيعي لاي مشاركة في الحكومة من خلال البيان الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعتبر ان “المشكلة ليست مع الفرنسيين بل داخلية ” وإذ اشار الى ملاحظات عدة على عملية تشكيل الحكومة قال “ابلغنا رئيس الحكومة المكلف من عندياتنا ومن تلقائنا عدم رغبتنا في المشاركة في الحكومة وأبلغناه استعدادنا للتعاون الى اقصى الحدود في كل ما يلزم لاستقرار لبنان وماليته والقيام بالإصلاحات وإنقاذ الاقتصاد “. ونقل زوار عين التينة ان من ملاحظاته الأساسية انه يعتبر المداورة “اختراعا” محليا وليس شرطا او مطلبا فرنسيا او اميركيا لانتزاع المال من الشيعة كما يأخذ بقوة على الرئيس المكلف انه عمد الى تأليف الحكومة داخل جدران منزله من دون تشاور مع أي فريق. ويبدو من أجواء الثنائي الشيعي انه يتوقع ان يتريث رئيس الجمهورية اليوم في بت هذه التشكيلة ريثما يصار الى تدوير بعض الزوايا بالتوافق مع الفرنسيين.
وتداولت الأوساط المعنية سيناريوات عدة للمأزق في حال عدم التوصل الى مخارج متوافق عليها مع الفرنسيين ومن ابرزها ان يوافق رئيس الجمهورية على تشكيلة أديب لإزاحة عبء أي عرقلة للولادة عن عاتقه ورمي الكرة في مرمى الكتل النيابية والقوى السياسية بحيث تصبح مشكلة الحكومة الجديدة مع المجلس والكتل التي قد تحجب الثقة عن الحكومة بعدما وافقت على تكليف أديب على أساس معايير الوساطة الفرنسية كاملة. اما السيناريو الاخر فيتمثل في تريث عون في القبول او الرفض والاتكاء الى التعقيدات الناشئة لمحاولة تمديد المهلة الفرنسية بضعة أيام فقط للبحث عن مخرج. اما ما طرح عن سيناريو اعتذار او اعتكاف الرئيس المكلف فبدا مفتقرا للحقيقة بحسب ما أفضى به مطلعون.
وبحسب “الأخبار” فان دوائر القصر الجمهوري أبلغت المراجعين بأن عون لم يكن موافقاً على التأليف، لسبب بديهي وهو انه لا يعرف شيئاً عن التشكيلة التي سيحملها إليه الرئيس المكلف مصطفى أديب اليوم. فعون لا يعرف بعد عدد المقاعد فيها، ولا اسم أي مرشّح للتوزير، ولا توزيع الحقائب… فضلاً عن أن ما يُشاع عن أسماء المرشحين للتوزير يوحي بأنهم أشخاص مجهولون، وينبغي درس سيرهم الذاتية. والأكيد، بحسب المصادر، أنه لن يُصدر مرسوم تأليف الحكومة اليوم، بل سيدرس ما سيقدّمه الرئيس المكلّف أولاً، قبل اتخاذ القرار المناسب.

ضغط ماكرون فعل فعله
وكشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية أن كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المباشر مع الاطراف السياسيين خلال الايام الماضية وتحديدا في اليومين الماضيين، فعل فعله بوقف محاولات البعض بفرض الشروط أو التشبث بوزارات معينة لتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة كما حصل في موضوع مطالبة الثنائي الشيعي بحقيبة وزارة المال تحت شعارات وحجج غير دستورية وقالت: ان الرئيس الفرنسي كان صريحا وجادا في مخاطبة الذين تحادث معهم من السياسيين اللبنانيين مشددا على ضرورة بذل كل ما يمكن لتسهيل وتسريع عملية تشكيل الحكومة، لا يمكن للبنان ان يبقى بلا حكومة اصيلة تتولى مهماتها لانتشاله من سلسلة الازمات المتراكمة والضاغطة التي يواجهها منذ شهور متعددة. 

واشارت الى ان الرئيس ماكرون لفت بصراحة الى انه زار لبنان مرتين وفي غضون وقت قصير جدا للدلالة على اهتمامه الشديد لمساعدة لبنان ليتمكن من المباشرة بحل مشاكله ولاسيما بعد التفجير المدمر الذي استهدف مرفا بيروت واضراره البليغة على العاصمة وأهلها ووضع كل ثقله وصدقية فرنسا في المبادرة التي قدمها للاطراف السياسيين أخذا بعين الاعتبار ظروف وحساسية الوضع الداخلي اللبناني من جميع النواحي .

وإذ لفتت المصادر إلى ان ماكرون أبلغ المعنيين بانه لا يرى مبررا مقبولا لاعاقة وتأخير ولادة الحكومة الجديدة بالوقت المحدد باسبوعين منذ تكليف مصطفى اديب بتشكيلها ، بعدما التزم جميع الاطراف بتاييد تنفيذ المبادرة ودعمها ولم يطلب اي طرف تعديلها اومعارضتها،كما أنه لم يسمع من اي طرف مطالبته المسبقة بهذه الوزارة أو تلك أو ما يثار بخصوص الميثاقية أو المثالثة في التوقيع الشيعي على المراسيم وغيره، بل وجد كل تقبل وتجاوب مع ما طرحه. ولفتت المصادر الى ان الرئيس الفرنسي شدد على هؤلاء الاطراف بانه تحمل شخصيا تبعة المجازفة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما في ابقاء خطوط التواصل قائمة مع حزب الله والأخذ بهواجسه ومطالبه لاسيما منها معارضته لعدم إجراء انتخابات نيابة مبكرة كما تطالب بذلك شرائح عديدة من المتظاهرين والمجتمع المدني وعدم اثارة موضوع سلاح الحزب في الوقت الحاضر.
واضافت المصادر إلى ان ماكرون شدد أيضا على ان الوقت الضاغط لم يعد يسمح باهدار فرصة الالتزام الفعلي بتنفيذ بنود المبادرة الفرنسية ولاسيما تشكيل الحكومة الجديدة لان لبنان في وضع حساس جدا ومعرض للانهيار، وحذر بانه لن يسمح بفشل المبادرة الفرنسية ومستمر بدعمها حتى النهاية لانقاذ لبنان مما يتهدده من مخاطر غير محمودة.
وأشارت مصادر معنية بالمفاوضات لصحيفة “الأخبار” الى ان الجانب الفرنسي تدخّل ناصحاً أديب بالتريث، وانه من المرجّح أن يغيّر الأخير من أسلوب تشاوره مع الكتل النيابية، وهو ما ظهر في اتصاله أمس برئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل. وبحسب المصادر، فإن موقف الرئيس نبيه بري أمس، بعد الرسالة التي حملها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم إلى باريس الخميس الماضي، والاتصالات التي أجراها النائب السابق وليد جنبلاط مع الفرنسيين الذين تواصلوا مع الرئيس سعد الحريري وحزب الله وبري، لمست باريس خطورة الإقدام على خطوة في الفراغ تحت عنوان “حكومة أمر واقع”. وبحسب المصادر، فإن بري الذي أصدر بياناً قال فيه: “أبلغنا رئيس الحكومة المكلف من عندياتنا ومن تلقائنا عدم رغبتنا بالمشاركة على هذه الاسس في الحكومة”، كان يعبّر عن موقف واضح بمقاطعة شيعية للحكومة. “وعون الأكثر إدراكاً لمعنى مقاطعة طائفة بكامل نوابها لحكومة ما، مشاركة ومنحاً للثقة، لن يمرر حكومة تغلُّب”. ورغم أن عون سيكون “محرجاً” مع الفرنسيين، في ظل تأكيد عدد من المحيطين به ان المبادرة الفرنسية هي الفرصة الاخيرة لإنقاذ العهد، إلا أن مقربين منه يجزمون بأن حكومة الامر الواقع لن تُبصر النور، سواء بعدم صدور مراسيم تأليفها، أو بعدم منحها الثقة لأنها ستكون “مناقضة للميثاقية” التي لطالما نادى رئيس الجمهورية باحترامها. وتؤكد المصادر أن تكتل لبنان القوي لن يمنح الثقة لحكومة يقاطعها ويرفض منحها الثقة جميع نواب طائفة، لأسباب عديدة، أبرزها أن حكومة مماثلة تعني “عزل مكوّن طائفي، وسيفتح الباب امام توترات داخلية على كافة المستويات”.

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر ديبلوماسية متابعة للملف اللبناني أنّ “كل ما حصل يوم الأحد من أحداث وأحاديث ومؤتمرات صحافية وبيانات ومواقف إنما هو ضمن المرسوم وتحت سقف المقبول دولياً، فالمبادرة الفرنسية لم تلغ حق القيادات اللبنانية في التعبير عن موقفها ورفع سقف التحدي، لكن يبقى المهم في نهاية المطاف أنّ الضغوط الخارجية أتت ثمارها وستنتج ولادة حكومة مصغرة مستقلة من الاختصاصيين وهذا هو بحد ذاته جوهر مبادرة الرئيس ماكرون في سبيل استنهاض لبنان”، مؤكدةً أنّ “وهج العقوبات ساهم بشكل فاعل في دفع الجميع إلى السير بالخطة المرسومة والمنسقة بشكل تام بين الفرنسيين والأميركيين”.