إنكفأ الرئيس المكلّف وغاب عن الصورة، والرئيس سعد الحريري كما بدا لسائر القوى السياسيّة، هو أخذ على عاتقه تأليف الحكومة على طريقته، مشجَّعاً من قبل الفرنسيين، ومتسلّحاً بزخم المبادرة الفرنسية، وانّها حشرت كل الناس، وأنّها أشبه بجرافة تزيل من امام التأليف كل ما يُعتبر معوّقات، وتمهّد له الطريق لتشكيل الحكومة التي يريدها.
ولقد جاء لقاء الحريري بالرئيس نبيه بري السبت، ليؤكّد حضوره المباشر على خط التأليف. الّا انّ الحريري لم يحقّق من هذا اللقاء ما يشتهيه، إذ إنّه اصطدم برفضين قاطعين من قِبل رئيس المجلس، الاول لما طرحه الحريري لناحية المداورة، بأن تشمل وزارة المالية وإسنادها لوزير غير شيعي. والثاني، لناحية أن يُسمّي هو، أي الحريري الوزراء ( الشيعة وغير الشيعة) في الحكومة. فالطرح الأول لم يكن مريحاً لبري، والجواب الذي تلقّاه الحريري عليه جاء بما مفاده: “انّ موضوع المالية منتهٍ، وخارج دائرة البحث والنقاش”. أما الطرح الثاني فكان مستفزاً، والجواب عليه مفاده: «أنتَ تريد ان تُسمّي الوزير الشيعي؟ ومنذ متى كنت تسمّيه؟ ومنذ متى أنتَ تختار لنا الوزير الذي يمثلنا”؟
بناءً على هذه الأجواء، التي اظهر فيها فريق التأليف الذي يقوده الحريري شخصياً، انّه لم يلتقط الفرصة مرّة ثانية لكي يذهب الى حكومة بالشراكة، تكون قادرة على القيام بمهماتها الانقاذية والاصلاحية، بل ذهب الى منطق الاستئثار، جاء بيان المكتب الإعلامي لرئيس المجلس، ليعيد القاء كرة النار في ملعب “فريق التأليف الأحادي” الذي يقوده الحريري، “فأنتم كما صعدتم الى شجرة التفرّد بالتأليف، تنزلون عنها”.
لكن، هناك من قدّم “قراءة مبسطة” في كلام بري حول الاستعداد للتعاون، انّه يعكس تجاوباً لأقصى درجات التسهيل، وربما الى حدّ منح الحكومة الثقة ومواكبتها والتعاون معها وتسهيل مهامها في مجلس النواب، لكن كل ذلك، يبقى رهناً بالتشكيلة الحكومية التي سيقدّمها الرئيس المكلّف. فبعد ظهور هذه التشكيلة يُحكم عليها، ولكل حادث حديث.
لكن ثمة في المقابل، من قرأ في إعلان بري عدم الرغبة في المشاركة في الحكومة، رسالة بالغة الدقة والوضوح، بإسم الثنائي الشيعي، وكذلك كل مرجعيات الطائفة، يؤكّد من خلالها بشكل لا لبس فيه، انّ المكوّن الشيعي لن يشارك في حكومة تُشكَّل بهذه الطريقة، وأنّ ايّ حكومة تتشكّل من دون المكوّن الشيعي ساقطة سلفاً، وهكذا يقول الدستور في الفقرة “ي” من مقدّمته التي تنصّ على ما حرفيّته: «لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». كما انّ أي حكومة تتجاوز هذا المكوّن بأن يُسمّى له من يمثله في هذه الحكومة يصطدم بالمادة 95 من الدستور، التي تنص على ما حرفيّته: «تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة». ما يعني انّ الوزير ليس موظفاً، بل هو صاحب سلطة، وهو منتدب عن هذه الطائفة، وأي محاولة لفرض على ايّ طائفة من يمثلها، هي لعب خطير جداً بالتوازنات الداخلية.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.