التعليم عن بعد في لبنان.. ضغوط نفسية وتجربة مليئة بالتحديات

14 سبتمبر 2020
التعليم عن بعد في لبنان.. ضغوط نفسية وتجربة مليئة بالتحديات

كتبت لاريسا معصراني في “الجزيرة”: بعد مرور عدة أشهر على تجربة معظم دول العالم لنظام “التعليم عن بعد”، كأحد الترتيبات التي فرضها تفشي كورونا، ما مدى نجاح أو فشل التجربة بالنسبة للطلاب الأطفال وعائلاتهم، وكذلك بالنسبة للمعلمين، وما مستقبل هذا النظام؟

في لبنان يعتبر التعليم عن بعد تحديا يوميا يعيشه الأهل والطلاب والمدرسون لأسباب عديدة، منها انقطاع التيار الكهربائي المستمر وضعف خدمة الإنترنت وصعوبة الأزمة المعيشية.

ضغط نفسي كبير

الصعوبات التي يواجهها الطلاب في برامج المنصات الإلكترونية تلقي بثقلها على الأهل أيضا، إذ يعانون عدة ضغوطات جراء مواكبة أولادهم بهذه العملية.

السيدة جنى أيوب أم لولدين بمرحلة الروضة والابتدائية، تؤكد أن هناك ضغطا نفسيا كبيرا على الأهل والأولاد، وكأن التلامذة لا يكفيهم ما يعانون من ضغوطات بسبب الحجر المنزلي، ليأتي ضغط التعلم عن بعد بما فيه من معاناة.

وتشير جنى إلى أن المعاناة ناتجة عن ضعف الإنترنت وانقطاع التيار الكهربائي، والصعوبة بفهم بعض الشروحات خاصة لمرحلة الابتدائي، لكنها لم تعان مع ابنها الصغير في قسم الروضة، بسبب التفاعل الإيجابي بين المعلمة والتلاميذ، وولدها كان متجاوبا جدا مع التعليم عن بعد.

جوانب سلبية وإيجابية

أما غنى عيتاني، وهي والدة لـ3 أطفال في قسم الروضة، فتصف تجربتها بأنها مميزة، ولها جوانب سلبية وإيجابية من ناحية التنويع في تقديم المعلومة وطريقة تفاعل الطلاب بشكل محبب لاستخدامهم التكنولوجيا. ومن ناحية أخرى فإن الطفل في المراحل الأولى لا يمكنه التركيز لأكثر من 15 دقيقة، ولذلك فإن كثرة الأنشطة تؤدي إلى تشتته.

كما أنها لاحظت تطور أطفالها على صعيد المهارات الشخصية الخاصة بالتعلم المستقل والذاتي واكتساب المعلومات، لكن برأيها “مهما كان الطالب ذكيا فإنه يحتاج للمتابعة المباشرة من معلميه”.

تحديات

في حين ترى أم محمد شهاب أن للتجربة الكثير من التحديات خاصة في لبنان، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وبطء خدمة الإنترنت، كما أن التعليم عن بعد حمل الأهل مسؤولية التدريس في المنزل.

وتوضح أنه فُرض عليها التكيف مع بعض التطبيقات “المعقدة” المستخدمة من قبل المدرسة لمساعدة أولادها على تجاوز الصعوبات التقنية، إضافة لإرسال الدروس الجديدة على منصة للتعليم لابنها في قسم الروضة، مع كل وسائل الإيضاح المطلوبة.

ويُطلب منها تصوير ابنها مثلا وهو يقرأ الحروف للتأكد من تحقق أهداف الدرس، لكنها تحتج قائلة بأن العبء صار مضاعفا عليها من ناحية التدريس وهذه بالنهاية مهمة الأساتذة والمعلمات.

العامل النفسي

وشكل وباء كورونا تحديا كبيرا للعديد من المعلمات على الصعيد العالمي، فأصبحت مهمة إيصال المعلومة للتلاميذ أكثر صعوبة خصوصا لمعلمات رياض الأطفال اللواتي يعتمدن بشكل كبير على التواصل المباشر مع التلاميذ.

تصف معلمة الروضة رنا عمار تجربتها قائلة “بالنسبة لي كمعلمة طفولة مبكرة أحسست بالإرباك الشديد عند أول محاولة لقاء افتراضي مع تلاميذي، ذلك أن الشعور بعدم القدرة على الاحتكاك معهم بشكل مباشر من خلال تزويدهم بالوسائل الحسية التي تعتبر أساسا للتعلم في هذه المرحلة، قد شكل مصدر قلق كبير لدي من ناحية إيصال المعلومات”. إلا أن هذه التجربة دفعتها للتفكير بوسائل أخرى للاستفادة من الإمكانات المادية المتاحة في المنزل، كما أن انقطاع التيار الكهربائي وبطء الإنترنت شكلا عائقا لها ولأهالي الطلبة.

اعلان
وتتابع: “حاولت استخدام برامج الكمبيوتر، والألعاب الإلكترونية، والمقاطع المصورة التي توفر نوعا من التفاعل المتبادل بين المعلم والتلاميذ، وإجراء نقاش وحوار مع الأطفال حول مضمونها. وأعطت هذه الطرق فعالية بجذب الطلاب للدرس وتفاعلهم”.

تعاون متفاوت

ومن المشاكل الأخرى التي تذكرها رنا التفاوت بتعاون الأهل بشكل كبير بين فئة وأخرى. وهذا أثر في بعض الأحيان بشكل سلبي على عملية التعليم والتعلم، إضافة إلى أن عدد التلاميذ المشاركين في الحصة شكل عائقا من ناحية إمكانية إشراك الجميع لأكثر من مرة في عملية النقاش ومشاركة الأفكار.

“ولا بد أن نذكر العامل النفسي الذي كان أيضا بمثابة تحد آخر بالنسبة لي كمعلمة، حيث إن التلاميذ في فترة الحجر كانوا يمرون بمشاعر متقلبة أثرت سلبا عليهم، وبالتالي كان يجب أخذ هذا بعين الاعتبار، ومساعدة التلاميذ من خلال التواصل معهم بطريقة إيجابية لمنحهم بصيص أمل في ظل هذه الأزمة التي أثرت بشكل سلبي على طاقاتهم وقدراتهم”.

وتختم رنا “هذه الفئة العمرية قدرتها على التركيز أقل من أقرانها في الصفوف العليا، وبالتالي كان يشكل هذا الأمر إرهاقا لبعضهم. وهذا أمر حتمي لا يلامون عليه، بل كان على المعلمين إيجاد وسائل للتخفيف من وطأة هذا الأمر عليهم”.

تجربة إيجابية

ونظرا لخصوصية هذه الفئة العمرية، والتي تحتاج لأساليب وإستراتيجيات تعليمية مختلفة ومتابعة مباشرة من المعلمة، يجب إيجاد وسيلة للتواصل الفعال والمباشر معهم لضمان أعلى قدر من الاستفادة والتعلم، والحفاظ على صحتهم الجسدية والنفسية في ظل الظروف الصعبة، بحسب مسؤولة قسم الروضة بمدرسة المقاصد ماغي الخطيب التي اعتبرت أن التجربة فيها نقاط قوة وإيجابية، ومجموعة من التحديات التي حاولت تذليلها لتأمين استمرارية عملية التعليم والإفادة القصوى للتلاميذ.

تقول ماغي “من أهم النقاط الإيجابية اكتساب مهارات ومعلومات وتجارب مختلفة من خلال تحفيز عقول الأطفال، وكانت حصص التعليم عن بعد الوسيلة الوحيدة لضمان استمرار هذا التفاعل مدعما بأنشطة وبطاقات تطبيقية ترسل للأهل وروابط إلكترونية مختلفة، فحصص التعليم عن بعد والتي يتخللها طرح أسئلة وقراءة قصص ومناقشات وتنفيذ أنشطة تطبيقية مباشرة مع الأطفال، هي التي تؤمن التفاعل المطلوب”.

هذا فضلا عن الدعم النفسي الذي حصل عليه الأطفال خلال الفترة الصعبة عبر تواصلهم مع أصدقائهم ومعلماتهم وتنفيذ أنشطة تعليمية مسلية، إضافة لحصص التربية البدنية والفنون وغيرها.

وشكلت حصص التعلم عن بعد حافزا للعديد من الأطفال خاصة الخجولين منهم والذين ارتفعت نسبة مشاركتهم في هذه الحصص. وكان لتخرج الأطفال عن بعد من مرحلة الروضة الأثر الإيجابي في نفوس الأهل وأبنائهم على حد سواء، بحسب ماغي.

خوف وقلق

لا يمكن تجاهل مرحلة الخوف والقلق في البداية لدى المعلمات والأهل، لكن كل التحديات تم تخطيها بمرور الوقت والدعم المعنوي والتقني والإرشادات المستمرة، حيث أصبحت حصص التعلم عن بعد أسهل. وكما هو معروف فإن ما سيكتسبه الطفل من حضوره ساعات التعليم عن بعد أقل مما سيكتسبه بحضوره للمدرسة بدوام يتعدى الـ7 ساعات يوميا، منظمة بشكل يلبي حاجات الأطفال في هذا العمر.

وتأسف ماغي للوضع الصعب في لبنان الذي أثر بطريقة سلبية على مجريات حصص التعليم عن بعد، كانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وعدم توفر الإنترنت لدى الجميع نظرا لكلفته المرتفعة، أو لانشغال الأهل بأعمالهم مما سبب عدم تمكن بعض الأطفال من حضور الحصص.

وتتحدث ماغي عن بعض تحديات التعلم عن بعد قائلة إن أطفال الروضة يحتاجون للحركة بشكل مستمر، وهم غير قادرين على الجلوس أمام الشاشة لفترات طويلة، لذلك تم اللجوء لتحديد عدد الحصص اليومية بما يتناسب مع قدرتهم من خلال برنامج مسبق يُرسل للأهل، وتحضير أنشطة تسمح لهم بالحركة وتجعلهم منشغلين باستخدام الموارد والمواد المتوفرة في منازلهم.

الخيار الأفضل

يبقى التعليم عن بعد للعام الدراسي الجديد هو الخيار الأفضل مع التعلم الخليط، لأنه من المستحيل ترك هؤلاء الأطفال دون متابعة وتواصل، حيث إن ما سيكتسبونه من خلال التعلم عن بعد مهما كانت نسبته فهو أفضل بكثير مقارنة مع ما سيخسرونه بعدم اعتماد هذا النوع من التعليم.

وبما أن الأهل هم الشريك الأساس في نجاح هذه العملية، فمن الواجب دعم أبنائهم بالتعلم عن بعد للحفاظ على تطورهم الأكاديمي وصحتهم النفسية، كما أن هذه التجربة ستُزود الأطفال بخبرات تفيدهم في مستقبلهم ليكونوا قادرين على مواجهة التحديات وتخطي العقبات، بحسب مديرة قسم الروضة ماغي.