انسحب جبران باسيل من مشهد تشكيل الحكومة.
وضع رئيس الجمهورية مكانه، وبأنه يمثّل تياره، وترك اللعبة الاستعصائية حول عملية التشكيل مشكلة مفتوحة بين السنّة والشيعة، واتجه إلى معركة من نوع آخر داخل البيئة المسيحية.
كان باسيل قد أبلغ حزب الله بموقفه هذا خوفاً من العقوبات الأميركية.
قال كلمة مفتاحية بأن عدم مشاركة تياره في الحكومة لن تكون مشروطة بعدم إعطاء الثقة، ما يعني أنّ أيّ حكومة سيوقّع مرسوم تشكيلها من قبل رئيس الجمهورية.
رمى كرة التعطيل لدى الثنائي الشيعي، وأذكى الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة في انتقاده لتشكيل الحكومة من طرف واحد. في تجاوز للأصول وللأكثرية النيابية.
لم يكن موقف باسيل محصوراً بالملف الحكومي، عرّج على أكثر من نقطة حول انسحاب حزب الله من سوريا، وتطبيق القرار 1701، ترسيم الحدود والتمسك بعمل القوات الدولية، وصولاً إلى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية وتكريس مبدأ حياد لبنان، ورفض أن يكون منطلقاً لعمليات تطال الدول الأخرى. إنها مرحلة جديدة من الفصل بينه وبين حزب الله.
جلّ هذه المواقف يلقي عنه وزر عملية تعطيل وعرقلة الولادة الحكومية.
قبل الموقف المتشدّد الذي اتخذه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد العقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل، كان نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم يعلن رفضه تشكيل حكومة من المستقلين، والتمسك بتمثيل أغلب القوى السياسية فيها.
رمى كرة التعطيل لدى الثنائي الشيعي، وأذكى الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة في انتقاده لتشكيل الحكومة من طرف واحد
كلام قاسم كان مؤشراً على المسار الذي ستسلكه الأمور، خاصة بعد أن تبلّغ حزب الله بموقف باسيل وخروجه من الواجهة، وبعد معلومات عن أنّ رئيس الجمهورية سيوقّع مرسوم تشكيل الحكومة انسجاماَ مع المبادرة الفرنسية وتحسباً لاحتمال فرض عقوبات على المقرّبين منه.
بذلك تكون الكرة قد رميت في ملعب الثنائي الشيعي. يقع حزب الله في حيرة بحسب ما تفيد معلومات مطلعة على موقفه.
في البداية كان موقف الرئيس الفرنسي إيجابياً تجاه الحزب، لكن المسار الذي سلكته الأمور تشي بتغيّر الظروف والقواعد خاصة من خلال الإصرار على عدم تمثيل الحزب كما يجب في الحكومة، وثانياً من خلال الاستناد إلى العقوبات الاميركية لسحب وزارة المال من الطائفة الشيعية ومنحها لشخصية سنية، هنا يتحدّث الحزب عن اقتراح محمد بعاصيري لوزارة المال بعد اقتراح عامر البساط الذي يحمل جنسية فرنسية، لكنه رفض واعتذر. ويعتبر الحزب أنّ مثل هذا الطرح هو مشروع حرب.
لا يجزم الحزب ما إذا كانت هذه المواقف الفرنسية نتاجاً للضغوط الأميركية التي فرضت تغيرّاً جوهرياً في المبادرة، أم إذا كانت المبادرة في أساسها تنص على ذلك وتتكامل مع الأميركيين، بعد أن يغلّفها ماكرون بأسلوب إيجابي.
لكن الأكيد أن الحزب لن يستسلم لهذه المعادلة والتي يعتبرها تستهدفه وتستهدف دوره ربطاَ بالعقوبات والشروط السياسية التي تتعدّى عملية تشكيل الحكومة وتطال دوره وسلاحه سواء بتطبيق القرارات الدولية، او بترسيم الحدود التي يعني الانتهاء منها تفريغ مسألة المقاومة من مضمونها، ولن يكون عندها أيّ حاجة للسلاح.
بعد قاسم خرج برّي أمس بتصريح جديد يعلن خلاله عدم رغبته بالمشاركة في الحكومة في حال منع من تسمية وزير المالية الشيعي، واستعداده “للتعاون إلى أقصى الحدود في كل ما يلزم لإستقرار لبنان وماليته والقيام بالاصلاحات وإنقاذ اقتصاده”.
في البداية كان موقف الرئيس الفرنسي إيجابياً تجاه الحزب، لكن المسار الذي سلكته الأمور تشي بتغيّر الظروف والقواعد خاصة من خلال الإصرار على عدم تمثيل الحزب كما يجب في الحكومة
مشكلة حزب الله أنّ هناك من يشكّل الحكومة بعيداً عن التشاور معه، إلى حدّ حصر المشكلة بوزارة المال التي يجب أن تكون من حصة الشيعة، تلك النقطة التي يتشبّث بها الرئيس نبيه بري، فيما مشكلة الحزب تبدو أبعد وأعمق من ذلك. لكنه حتى الآن يقف خلف موقف رئيس المجلس رفضاً للصيغة الحكومية المقترحة.
دخل الرئيس الفرنسي على الخطّ مع الرئيس نبيه بري، الذي تمسك بأن تكون المالية من حصة الشيعة وحركة أمل، وإذا فرضت العقوبات على علي حسن خليل لا يمكن أن تكون المشكلة مع كلّ الطائفة الشيعية ووضرب الميثاقية. ولذا، ستكون المعادلة أمام احتمالين، تشكيل حكومة بدون مراعاة الثنائي الشيعي، يمرّرها رئيس الجمهورية، أو مراعاة مطالب الثنائي الشيعي بوزارة المال، فتشكّل الحكومة، بالحفاظ على الحدّ الأدنى من المكتسبات لتفتح مشكلة أكبر مع حزب الله هذه المرة، سواء من قبل الحكومة، او من قبل المسار الدولي وتحديداً الأميركي الذي سيكون مستمراً بفرض عقوبات، وتحديد الشروط الواجب الالتزام بها سياسياً واستراتيجياً، من ملف ترسيم الحدود إلى الصواريخ الدقيقة ومراقبة المعابر والمطار والمرافى،ء وتطبيق القرار 1701. المعركة ستفتح بعد تشكيل الحكومة، ولو لم يكن الوضع كذلك، لكن باسيل اكتفى بالحديث عن عدم المشاركة في الحكومة وتسهيل ولادتها، ولم يكن ليأتي على ذكر أيّ ملف أو نقطة تظهر ابتعاده السياسي عن الحزب. المعركة ستبدأ بعد تشكيل الحكومة إذا تشكّلت، وستكون أصعب بحال عدم تشكيلها والاستمرار في عرقلتها.
إذاً باسيل رفع يديه مستسلماً في حين أعلن حزب الله أنّه غير راضٍ عن حكومة غير سياسية، ليؤكد نبيه برّي إعلان رغبته في الخروج مع دعم تشكيل حكومة، حتى صرنا أمام لوحة معقدة قد تكشف بعض تفاصيلها زيارة الرئيس المكلّف مصطفى أديب إلى قصر بعبدا اليوم.
باسيل رفع يديه مستسلماً في حين أعلن حزب الله أنّه غير راضٍ عن حكومة غير سياسية
المعلومات الجدية المتوافرة حتى منتصف ليل أمس، أنّ رئيس الجمهورية سيستمهل رئيس الحكومة المكلّف 48 ساعة لاستكمال المشاورات مع الرئيس برّي تحديداً، الذي فتح باب “التجاوب المحدود” عبر كلامه عن التعاون والاستقرار المطلوب والإصلاحات.
جرى تفسير هذه العناوين بأنّها الباب الذي سيفتح أمام الحكومة لنيلها ثقة نواب حركة أمل رغم عدم مشاركتهم في التشكيلة.
بالمقابل يسمّي الرئيس برّي وحداً من مرشحين شيعيين للمالية مقترحين من الرئيس المكلّف بالتفاهم مع خلّية الإدارة الفرنسية.
أحدهما محمد الحاج وهو موظف رفيع المستوى في صندوق النقد الدولي.
بهذه الصيغة يكون برّي حفظ ماء وجهه السياسي..
هذه واحدة من السيناريوهات. في حين أن أجواء بري متشائمة بينما أجواء رؤساء الحكومات السابقين تبشر بولادة الحكومة غدا. وعامر البساط، من صيدا، ربما يكون من سيتولّى وزارة المالية.
في كل الأحوال تبقى السيناريوهات مفتوحة حتى لو تشكّلت الحكومة فإنّ طريقها إلى مجلس النواب وإلى الثقة سيكون صعباً في غياب رضا الثنائي الشيعي.