ولكن من يدقق في وقائع الساعات الأربع والعشرين الأخيرة وفي المشاورات العابرة للمتوسط كما للمقار الرسمية، يتبيّن له أنّ الثنائي الشيعي يستعد للاحتفاء بتسجيل الخرق الثاني في مرمى ماكرون. ولكن هذه المرة، يطال الجوهر، لا الشكل.
صبيحة يوم أمس، قصد رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب قصر بعبدا، وفقاً للروزنامة الزمنية التي وضعها ماكرون بالاتفاق مع القيادات اللبنانية، لكنه على عكس ما كان متوقعاً ومحضّراً له، لم يحمل مسودة حكومته، ولو أنها صارت جاهزة على مكتبه. اكتفى بجلسة دردشة سريعة بعد الاتفاق على استكمال المشاورات، التي نأى أديب بنفسه عن القيام بها طوال الأسبوعين الماضيين.
خلال الفترة المنصرمة، أقفل رئيس الحكومة المكلف الأبواب من حوله. اكتفى بزخم المبادرة الفرنسية، وبتوصيات رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وبهمسات نادي رؤساء الحكومات السابقين. أما غير هؤلاء، فلا مكان لهم على طاولة التأليف الحكومية. حتى رئيس الجمهورية بدا معزولاً عن طبخة مصطفى أديب، مفضّلاً انتظاره على “كوع الختم” الذي لا يزال في يده، ليقول ما لديه.
يوم السبت الماضي، تدخل الرئيس الفرنسي شخصياً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما رفع الأخير صوته اعتراضاً على حجب حقيبة المال عن الثنائي الشيعي وعلى طبيعة التسميات المرشحة لدخول الحكومة من النافذة الشيعية، والتي تناهت إلى مسامعه. قالها لماكرون: شكلوا حكومة من دوننا! وما لم يسمعه للرئيس الفرنسي، صبّ بري زيته أمام سعد الحريري في لقائهما الأخير.
سمع رئيس “تيار المستقبل” كلاماً قاسياً ذكّره خلاله الرئيس بري بكل المحطات التي وقف فيها الثنائي الشيعي مع رئيس “تيار المستقبل” وكل الجهد الذي ساقه كي يعود إلى رئاسة الحكومة، واذ بالحريري ينجرف لا بل يشارك في تركيب حكومة ستقود حكماً الى انقلاب سياسي في البلد، كما يقول مطلعون على موقف “الثنائي الشيعي” الذي لم ير في مسار التأليف إلا محاولة لعزله.
ولهذا يقول هؤلاء تمّ التصدي لهذه المحاولة بعدما رفعت السقوف عالياً لدرجة التهديد بحجب الثقة الميثاقية عن الحكومة، وبالتالي منع ولادتها اذا رفضت عبور معمودية التوافق مع الثنائي الشيعي. بنظرهم، فإنّ تركيب الحكومة بالطريقة التي جرى التعامل فيها، لا يمكن عزله عن عصا العقوبات التي تمسكها واشنطن وجزرة الاغراءات التي تقدمها باريس، حيث اعتبرت واشنطن وباريس أنه بالامكان الضغط على الثنائي الشيعي في هذه اللحظة الصعبة، لنزع حقيبة المال منه وفرض أسماء عليه لا تمثله لا من بعيد ولا من قريب.
يضيفون: إلا أنّ الاتصالات التي شهدتها الساعات الأخيرة أفضت إلى فرملة الانقلاب الذي كان يحضّر له، لا بل تمّ اجهاضه بعد موافقة الفرنسيين على تمديد مهلة التأليف وفتح باب النقاش من جديد على قاعدة مزدوجة لا بديل لها: الثنائي الشيعي هو من يتولى تسمية الوزراء الشيعة، ومن بينهم وزير المال. أما غير ذلك، فلتكن حكومة من دون ثقة “حزب الله” وحركة “أمل”.
في هذه الأثناء، فتح رئيس الجمهورية أبواب القصر للقاء الكتل النيابية وهي المهمة التي كان ينبغي أن يقوم بها رئيس الحكومة المكلف، في محاولة لتذليل العقبات التي تعترض ولادة الحكومة. في الواقع، بعض من التقى رئيس الجمهورية بالأمس، لم يفهم الهدف من تلك الدعوة المفاجئة ولا المرتجى منها، طالما أنّها لا تتخطى الشكليات ولا تغيّر في الأساس.
يشير بعض من استقبلهم رئيس الجمهورية إلى أنّ الأخير سأل بداية عن موقف الكتلة من جلسة الثقة وما اذا كانت بصدد حجب الثقة عن الحكومة أم منحها. فشرحت كل كتلة موقفها. ثمّ سأل رئيس الجمهورية عن موقف الكتلة من المداورة خصوصاً وأنّ الدستور ينصّ صراحة على أنّ لا تخصيص لأي طائفة بأي حقيبة.
يروي هؤلاء أنّ الرئيس عون استفاض في شرحه كيف أنّ “التيار الوطني الحر” لم يتمكن طوال حقبة مشاركته في الحكومات المتعاقبة من أن يستحصل على حقيبة المال أو حقيبة الداخلية. وقد فهم البعض ممن جالسوا رئيس الجمهورية أمس وكأنّه يمهد للمطالبة بحقيبة المال لتكون من حصته، ولو أنّه أبلغ سامعيه أنّ الثنائي الشيعي لن يتخلى عن وزارة المال “حتى لو نزلت السماء على الأرض”.
في المقابل لم يتوان عن الإشارة إلى أنّ رئيس الحكومة المكلف طرح عليه تسمية وزرائه ليبقى لرئيس الجمهورية حق الفيتو. ولما سئل رئيس الجمهورية اذا كان موافقاً على هذا الطرح، ردّ عون: لو كنت موافقاً لما كنت أجري هذه الاستشارات!