فالرئيس عون بات أمام خيارين لا ثالث لهما، وعليه أن يقرر اليوم قبل الغد على أي ضفة سيقف، فتأييده مبدأ المداورة بما يشمل حقيبة المالية تختلف وجهات النظر في قراءته، إذ ثمة من يعتبر بين المتابعين أن في موقفه هذا مؤشراً على كونه لن يخاطر ويخلف وعده مع ماكرون بل سيمضي قدماً في موجبات المبادرة الفرنسية ويوقع مراسيم التأليف ليغسل يده من ذنب تعطيلها، أما بعض المصادر المواكبة الأخرى فلا تستبعد أن يكون تأييد المداورة مجرد “مناورة” ضمن إطار لعبة توزيع الأدوار بين الرئاسة الأولى وبين الثنائي الشيعي لكي لا ينقطع حبل التواصل مع الفرنسيين بالتزامن مع السعي إلى توسيع هوامش المبادرة الفرنسية وتحقيق أكبر قدر من المكتسبات في تطبيقاتها، فإذا حقق الثنائي مطلبه في إبقاء وزارة المالية تحت قبضته وسمّى هو وزراءه الشيعة في الحكومة عندها سينسحب ذلك حكماً على مختلف الأفرقاء ليعود القديم إلى قدمه في تركيبة الحقائب وتسمية الوزراء.
حصيلة المشاورات تجاذب ومأزق
إذا، إستكمل أمس الرئيس ميشال عون مشارواته مع رؤساء الكتل النيابية للاستماع الى وجهات نظرهم حول تشكيل الحكومة. فإلتقى كلا من رئيس كتلة “الوسط المستقل” الرئيس نجيب ميقاتي، ورئيس كتلة “ضمانة الجبل” النائب طلال أرسلان، ورئيس كتلة “نواب الأرمن” هاغوب بقرادونيان، ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، والنائبين علي حسن خليل ومحمد خواجة عن كتلة التنمية والتحرير. واتصل الرئيس عون بعد انتهاء المشاورات بالرئيس المكلف مصطفى اديب وطلب منه الحضور اليوم الى قصر بعبدامن اجل إطلاعه على نتائج مشاوراته.
وعلمت “اللواء” ان رعد ابلغ عون “تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المال للطائفة الشيعية وبتسمية وزرائهم في الحكومة”. اما علي حسن خليل فأبلغ رئيس الجمهورية “التمسك بوزارة المال وتسمية الوزراء بالتوافق والتشاور مع الرئيس المكلف”. كما نصح ممثلا الثنائي بعدم اعتماد حكومة مصغرة وعدم تسلم الوزير اكثر من حقيبة وزارية.
وقالت مصادر كتلة التنمية لـ”اللواء”: الرئيس بري اعلن موقفه من اليوم الاول حول الموضوع، ولكن نحن مستعدون لإقتراح العديد من الاسماء غير الحركية او الحزبية ليختار منها الرئيس اديب، وكلما رفض اسماء نعطيه اخرى. واشارت المصادر الى تنسيق تام بالموقف ذاته بين حزب الله وحركة امل حول موضوع حقيبة المال، مع الانفتاح على التعاون مع الرئيس اديب للتوصل الى تسمية شخصية مقبولة. لكن المهم ان ينفتح الرئيس اديب على التشاور مع الكتل التي ستعطيه الثقة وستتعاون معه في انجاز القوانين التي سترسلها حكومته الى المجلس.
كذلك رفضت معظم الكتل ان يُسمّي الرئيس المكلف اوطرف ما وزراءها من دون التشاور معها.
وأكدت مصادر بعبدا أن الرئيس عون لم يحدد مهلة معينة لتشكيل الحكومة ولكن المهلة ليست مفتوحة، وهو مصر على الانتهاء من التشكيل سريعاً، وهو كان مستمعا ولم يعط او يفرض رأيه ولم يتبنَ اي وجهة نظر. بينما قالت مصادر اديب انه لن يقدم تشكيلة حكومية وفق ما تريده القوى السياسية، وهو متمسك بخياراته وثوابته في التشكيل ويفضل الاعتذار على تشكيل حكومة وفق المعايير السابقة.
وأفادت المعلومات أن التشاور بين التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي تواصل في الساعات الاخيرة على اعلى المستويات من اجل البحث عن مخارج للأزمة تحول دون سقوط المبادرة الفرنسية التي يحتاجها الجميع.
خيار الاعتذار
الى ذلك، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” انه امام انسداد افق الحل في الملف الحكومي فإن كل السيناريوهات تبدو مفتوحة واشارت الى تواصل سيتم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيث سيتم وضعه في جو مصير المبادرة الفرنسية من باب رغبته بالمساعدة وطرحه للمبادرة وقد طرأ ما طرأ على المبادرة والوضع الداخلي ما يحتم التقييم وبعد ذلك كل الخيارات تبقى واردة.
وتخوفت هنا من سيناريو سلبي يطرأ على لبنان ما لم يتوفر بديل للحل الفرنسي واشارت الى ان تعويم المبادرة الفرنسية وارد وقد لا يكون بمعنى انها اجهضت.
ومن هنا فان خيار الاعتذار هو احد ابرز الخيارات الجدية. وتقول مصادر مطلعة على موقف الرئيس المكلّف انه ” ليس متمسكاً بالتكليف ولا يريد تحدي اي طرف كما لا يريد ان يتخلى عن مبادئه بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين غير منتمين سياسياً، فحكومته هي “حكومة مهمة” وهو الذي يسمي الوزراء وهو ليس سياسياً لتكون حكومته او وزراءها سياسيين او ممثلين لسياسيين.
وتشير المصادر المطلعة نفسها لـ”النهار” الى ان أديب “لا يريد معركة مع احد ولا يريد السير بوجه طائفة او اي طرف واذا لم يكن مدعوماً من كل الاطراف فلن تكون “حكومة المهمة” قادرة على انجاز المهمة المطلوب انجازها في اشهر قليلة”. لذلك ، تقول المصادر إن الاعتذار يشكل احد ابرز الخيارات الجدية لدى الرئيس المكلّف، وهو لا يريد اضاعة المزيد من الوقت، والاعتذار هو لإفساح المجال امام محاولة ايجاد فرصة جديدة للحل.
انطلاقاً من هذه المعطيات ، من المتوقع ان يعتذر اديب عن التكليف بعد التشاور مع رئيس الجمهورية، واذا لم يكن ذلك في لقاء اليوم الاربعاء فغداً ، خصوصاً اذا لم يطرأ تدخل فرنسي لانقاذ المبادرة والحكومة قبل الوصول الى هذا القرار الذي يعني عملياً انتهاء المبادرة الفرنسية ، والدخول في مرحلة جديدة من الغموض.
وتوقعت المصادر لـ”اللواء” ان يزور الرئيس المكلف قصر بعبدا اليوم بعدما تواصل مع رئيس الحمهورية الذي كان قد تواصل في وقت سابق مع رئيس مجلس النواب.
وقالت ان عون سيطلع اديب على نتائج المشاورات بعدما استمع الى وجهة نظر رؤساء الكتل والممثلين عنهم دون فرض رأيه وافادت انه لم يتبن اي رأي مؤكدة انه سبق واعلن تأبيده المداورة الشاملة علي ان تكون جميع الأطراف موافقين عليها.
خطوط التواصل مستمرة
في جميع الأحوال، لم يبق سوى ساعات قليلة فاصلة بين الشك واليقين لتحديد مآل المبادرة الفرنسية، و”كتاب الاعتذار” لا يزال في جيب الرئيس المكلف ولا يفصله عن تقديمه سوى الرغبة بإفساح المجال أمام رئيس الجمهورية ليدلو بدلوه وينقل إليه حقيقة الموقف بعد المشاورات التي أجراها مع الكتل. وأكدت مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” أنّ “خطوط التواصل بين باريس وبيروت ستبلغ ذروتها خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة في محاولة أخيرة لإنقاذ المبادرة الفرنسية وإلا فليتحمل كل طرف مسؤولياته وسيُترك لبنان لمصيره”، مستغربةً تصرف بعض الأفرقاء اللبنانيين مع المبادرة وكأنهم “يسدون خدمة للرئيس الفرنسي بينما العكس هو الصحيح، فماكرون هو من يقدّم خدماته للبنانيين وقد خاطر وجازف بالرهان على التزام الطبقة السياسية اللبنانية بالسير بحل إنقاذي للبنان في وقت لم يعد أحد لا في الداخل ولا في الخارج يثق بها ولا بالتزاماتها”.
وإذ ترى أنّ استنهاض الدولة اللبنانية لم يعد متاحاً إلا بإحداث “تغيرات جذرية وتعديلات جوهرية في قواعد اللعبة التي ينتهجها السياسيون اللبنانيون وأثبتت بالملموس أنها لم تنتج إلا مزيداً من الخراب والانهيار”، أكدت المصادر الديبلوماسية أنّ “تحقيق أي خرق في الأوضاع اللبنانية ينهي الدوامة القاتلة التي تجرف اللبنانيين نحو قاع الأزمة بات مرهوناً حصراً بنجاح المبادرة الفرنسية وعلى الجميع التعامل معها على أنها بحق فرصة أخيرة لن تليها أي فرص أخرى”، مشددةً على أنّ “كل ما سيق وقيل عن أنّ العقوبات الأميركية الأخيرة كانت وراء إجهاض مبادرة باريس لا أساس له من الصحة إنما هو محاولة مكشوفة للتنصل من المسؤولية اللبنانية المباشرة عن تعطيل المبادرة، خصوصاً وأنّ مسار العقوبات معروف ويسير منذ مدة وفق آليات وأسس ليست خافية على أحد بمعزل عن المسعى الفرنسي ومندرجاته، وأي محاولة لاستدراج باريس إلى الصدام مع واشنطن قد تكون لها ارتدادات عكسية على لبنان إذا ما قرر الرئيس ماكرون الدفع باتجاه فرض عقوبات أوروبية إلى جانب الأميركية على المسؤولين اللبنانيين”.
تمديد المهلة الفرنسية
الى ذلك، كشفت مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الجارية لتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وقطع الطريق على إقحام البلد في أزمة تضاف إلى الأزمات الكبرى التي يرزح تحت وطأتها بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوعز إلى الجهات المعنية بتأليفها بأن لديه رغبة لتمديد المهلة التي كان حددها بالاتفاق مع أركان الدولة والقوى السياسية الرئيسة لولادة الحكومة العتيدة، وقالت لـ”الشرق الأوسط” بأنه أبلغ من يعنيهم الأمر بأن تمديدها ليوم أو يومين تنتهي غداً الخميس يفسح في المجال أمام تكثيف الاتصالات لتهيئة الظروف التي تدفع باتجاه تجاوز المأزق الذي لا يزال يؤخر عملية تأليف الحكومة.
وأكدت المصادر نفسها بأن ماكرون لم ينقطع عن التواصل مع جميع القيادات اللبنانية لتذليل العقبات التي ما زالت تعرقل تشكيل الحكومة، وقالت إن اتصالاته تتلازم مع اتصالات مماثلة يتولاها وتشمل جهات دولية وإقليمية من دون الدخول في تفاصيل ما آلت إليه حتى الساعة لأنها مستمرة ولم تتوقف.
ولفتت إلى أن الاتصالات الفرنسية لم تتوقف مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة السفير مصطفى أديب، وقالت إن الأخير يواكب الاتصالات التي يتولاها ماكرون ومعه الفريق الفرنسي المكلف بمتابعة الملف اللبناني، خصوصا أنه لم يوقف تشغيل محركاته لا بل بادر إلى تكثيفها بعد أن اصطدم تشكيل الحكومة بموقف شيعي رافض لمبدأ المداورة في توزيع الحقائب على الطوائف على قاعدة عدم تخليه عن وزارة المال وإصراره التشاور معه في تسمية الوزراء الشيعة لشغل الحقائب الوزارية غير السيادية.
ورأت بأنه من السابق لأوانه الغوص في رد فعل الرئيس ماكرون في حال أن الاتصالات الجارية في اللحظة الأخيرة لم تؤد إلى تعبيد الطريق أمام ولادة الحكومة، خصوصاً في ضوء القرار الذي اتخذه بتمديد المهلة التي كان حددها لتأليفها لعلها تمنح القوى المعنية بتشكيلها فرصة جديدة تتيح لها مراجعة حساباتها وإعادة النظر في مواقفها تقديراً منها للظروف الصعبة التي يمر فيها البلد الذي يستقر حالياً في الهاوية ويزداد الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي خطورة وبات يتطلب منها أن تبادر إلى تضافر الجهود لتتساعد لإنقاذه لأنه ليس هناك من يساعدها ما لم تبادر إلى مساعدة نفسها.