اجتماعات ماراتونية واتصالات مكثفة حفلت بها الايام الماضية تمحورت بمجملها حول امكانية ايجاد المخرج المناسب لعقدة التمثيل الشيعي في الحكومة. والنتيجة بقيت العقد على حالها، يكابر فريق التأليف الذي يقف خلف الرئيس المكلف، ويحاول تضييع الوقت بهدف الضغط. والموقف الشيعي على تصلّبه: “لا حكومة من دون مكون شيعي، ولا حكومة اذا لم يسمّ الشيعة وزراءهم”.
لا يحتاج سياق التطورات والمواقف السياسية الى كثير من التدقيق والتمحيص. المطلوب رأس الثنائي الشيعي ومنع “حزب الله” من التمثل في الحكومة ولو على حساب النيل من المبادرة الفرنسية وعرابها ايمانويل ماكرون. كانت الامور اكثر من واضحة منذ أعقبت زيارة ديفيد شينكر زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان وما افصح عنه خلال لقاءاته من تمايز عن المسعى الفرنسي. وما كادت المساعي الحكومية تنضج لاعلان الحكومة قبل مهلة الاسبوعين الفرنسية حتى أعلنت اميركا عن عقوباتها بحق وزيرين سابقين احدهما له دور رئيسي في مفاوضات التشكيل، ليتوّج بالامس بصلية مواقف لوزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو تقصّد تخريجها عبر الصحافة الفرنسية. يعتبر بومبيو في خلاصة مواقفه ان ماكرون وفي لحظة التصلب الاميركي مع الإيراني حضر الى لبنان محيّداً سلاح “حزب الله” عن سكة البحث ثلاثة أشهر، وهو ما يعد مؤشراً لاستعجال الاميركي بإعلان عقوباته. تفصح مواقف بومبيو عن خلاف اميركي فرنسي حول المبادرة في لبنان ومحاولة عرقلتها سواء بالمباشر او من خلال الحلفاء. حتى الامس القريب كان من غير المعروف بعد ما اذا كان ثمة تناغم اميركي فرنسي او أن لكل منهما وجهته المنفصلة، لكن ما يساق من معلومات لجهات متابعة جعلها تميل للتأكيد أنّ الجانب الفرنسي يعتبر ان الأميركي عطل المبادرة.
ورغم كل ذلك اراد الثنائي الشيعي السير على خط تثمين المبادرة الفرنسية والايفاء بوعد تسهيل تشكيل الحكومة. لكن تبين ان “هناك جهات داخلية ارادت الاستفادة من المبادرة الفرنسية لتصفية حسابات سياسية وتحقيق مكتسبات في السياسة”. ادخل هؤلاء الفرنسيين في زواريب التفاصيل اللبنانية مرة بالمداورة ومرة بحكومة وزراء من غير النواب فماذا كانت النتيجة؟
ان يتصل ماكرون بالرئيس المكلف طالباً اليه التواصل مع رئيس “التيار الوطني الحر” واعطاء هامش لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة. ولكن لا اتصال اديب كان الحل ولا استشارات عون. كان يمكن للموقف الشيعي ان يكون اكثر مرونة لولا العقوبات الاميركية تلك. وعند الحدود التي رسمها رئيس مجلس النواب نبيه بري “أن وزارة المال من حصة الشيعة وهم من يسمون الوزير مع مرونة في التشاور باسم الوزير مع الرئيس المكلف” توقفت مفاوضات التأليف.
لم يكن ما شهدته الايام الماضية مجرد اختلاف عابر في وجهات النظر بل هو “انقلاب لعزل المكون الشيعي عن الحكومة وإخراج حزب الله منها، تم افشاله. خلال تلك الفترة ابلغ “حزب الله” ما يكفي من الرسائل للمعنيين بأن الامور لا يمكن ان تسير الا على أساس أن تكون وزارة المالية من حصة الشيعة” ووفق مجريات الامور لاحظ “حزب الله” وجود من يريد الاستئثار بالسلطة وهذا منطق في التعاطي غير مقبول بالنسبة إليه.
استدرك الفرنسي الاجواء المشحونة واتصل طالباً من رئيس الحكومة المكلف عدم تقديم تشكيلته الحكومية، واعتبار المهلة الفرنسية للتشكيل غير مقدسة “ورغم ذلك لا يزال الفريق السياسي الذي يقف خلف اديب في تشكيل حكومته مصراً على استغلال الفرصة الفرنسية لتشكيل حكومة وفقاً لتطلعاته ورؤيته”.
منذ الامس وحتى اليوم لم يتغير شيء في الوقائع، بقي الجو مشحوناً وبقي سعد الحريري على رفضه اعطاء حقيبة المالية للشيعة. وخلال اتصال هاتفي بينه وبين المعاون السياسي في “حزب الله” الحاج حسين الخليل ساد العتب واللوم بأن ليس من الحكمة تشكيل حكومة من دون مشاورات سياسية واستئثار فريق واحد بتأليف الحكومة وأن يتحول رئيس الجمهورية الى صندوق بريد. الحريري هو المتهم الاساسي هنا “كان الهدف ان يتم تقديم الحكومة فإما ان يقبل بها الفريق الآخر او يرفضها ويتعرض لعقوبات، منطق فيه مكابرة لمن يرى في المبادرة الفرنسية فرصة مؤاتية لرد الصاع صاعين وتصفية حسابات سياسية”. كان يمكن للفريق المؤلِّف ان يركن الى مبادرة بري “ثبتوا وزارة المال للشيعة واعطيكم لائحة اسماء لتختاروا من بينها ونناقش الاعتراض على اسم المرشح. هذا التعنت سيقود الى تراجع المبادرة الفرنسية او توقفها رسمياً والى تطور دراماتيكي قد لا تبصر الحكومة النور في ضوئه”.