يوم تبوأ معالي وزير التربية طارق المجذوب منصبه غرّد قائلا: كان والدي يُكرر عبارة “خير الكلام ما قلّ ودلّ” وعاد وغرّد “أن التربية هي الأساس في بناء الأجيال الواعدة” وعاد وغرّد “عندما يتواجد الإنسان في موقع المسؤولية عليه أن يدرك متى يقتضي البتّ او الحسم وإذا تردد، ولم يكن مقداماً، فمعناه أنه فشل”، وعاد من جديد وغرّد “باستطاعتنا تغيير العالم لكن علينا في البداية تغيير أنفسنا”… تغريدات تغريدات أمطرت أقوالاً لا أفعالاً، فالأجيال الواعدة ضائعة، ومعاليه يُكثر الكلام والقرارات والبيانات وفي كل مرة يُخطئ، وحقيبة التربية “بتّت” و”حسمت” لكن ضاعت وضيّعت ولم تكن “مقدامة”!
نجول بين المدارس الرسمية، بين مدرائها، علنا نكتشف عبرهم طبيعة مرحلة آتية تسودها ضبابية هائلة فنسمع ما “يُشيّب الشعر” ويترك على محيا السامع دهشة عارمة، فها أيلول قد انتصف والمدارس لم ترسُ على برّ، وها إن أساتذة تلك المدارس قد نسوا أنهم، في الاساس، معلمون، وها إن المدراء ينتظرون كما نحن ولادة حكومة جديدة ربما يرسون معها على برّ الأمان مع الجيل الواعد. فماذا في لغة هؤلاء؟ ماذا يدور في فكرهم وماذا لا يدور؟ وأي كلام يسري حالياً على الألسنة ويلحّ في البال؟
يُطلق مدراء مدارس رسمية نداءات استغاثة، فهم يجلسون كما الثكالى، يراقبون دنو موعد افتتاح مدارسهم غير عارفين من أين يبدأون. هل يدعون أساتذتهم لاجتماعات؟ لكن، ماذا يقولون لهم؟ هل يخبرونهم أن العام الدراسي الذي يدوم عادة 28 أسبوعاً سيكون السنة الجديدة بين 13 أسبوعاً و15 أسبوعاً؟ هم سمعوا بذلك لكن ماذا بعد؟ هل يخبرونهم وجوب الإلتحاق بالموسم الدراسي الجديد في 28 أيلول؟ لكن، على أي أساس؟ أرقام كوفيد- 19 تحلق على سبيل المثال لا الحصر في طرابلس وهناك إصابات كثيرة في الطواقم الإدارية في ثلاث مدارس هي الإيمان في أبو سمرا ومارالياس في المينا والرؤى في أبو سمرا وهناك ثانوية عدنان الجسر قد انضمت إلى مجموعة المدارس “المصابة” بالفيروس اللعين… فكيف يدعو مدراء ثانويات مدارس طرابلس الباقية الأساتذة والمعلمين والطواقم الإدارية الى رسم خطوط موسم دراسي جديد؟ ضياع هائل. ويقول مدير واحدة من أكبر المدارس الرسمية: “نسي الأساتذة، لولا الراتب، أنهم أساتذة”! فكيف سيتذكر الطلاب أنهم طلاب؟
هذا ليس معناه طبعاً أن نقفل مدارسنا وننعي العام الدراسي الجديد لكن أي موسم هذا والبوصلة ضائعة والربان مربك والحاشية “تحرتق” على بعضها البعض؟
فهل علينا أن نلوم وزير التربية وحده؟ هل علينا أن نردد مع المرددين: الحق على كورونا والإقتصاد المهترئ ومن أوصلونا الى القعر؟
يدور الحديث بين مجموعة من مدراء المدارس والثانويات الرسمية عن الظلامية التي تلحق بمدارسهم، كما بالطلاب والأهالي، ويدلّون في ما يقولون، بالأصبع، الى خلل في قلب البيت التربوي الذي يفترض أن يكون بيت جيل جديد يتمنونه واعداً. يتحدثون عن صراع أجنحة بين “العونيين”، أو بالأصح “العونيات” هناك يؤثر في شكل كبير على القرار الداخلي. ثمة ثلاث نساء هنّ ندى عويجان (رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف) التي أقالها المجذوب بقرار، ثم بعد أن قامت قيامة “العونيين” عاد عن القرار بقرار إعادتها الى مركز عملها في الجامعة اللبنانية، وهيلدا خوري (رئيسة جهاز الإرشاد بالتكليف) وهذا “الكادر” (الجهاز) الوظيفي كان يضم بين خمسين وستين أستاذاً أصبح يضم زهاء الألف.