قد لا يكون تفصيلاً في هذا السياق على الإطلاق، أن يعتبر البعض تلويح الرئيس المكلّف بالاعتذار مجرّد “تهويل”، تماماً قد لا يكون تفصيلاً أيضاً “رهان” أطراف أخرى على الخارج وعقوباته، لفرض “تنازل” شريحةٍ ما عن مطالبها وشروطها.
وفي الحالتيْن، قد لا يكون تفصيلاً أبداً إصرار البعض على التعامل مع ملفّ تأليف الحكومة، كما كان يحصل دائماً، على قاعدة تقاسم “المغانم”، وكأنّ شيئاً لم يكن، لا لجهة “الثورة”، ولا لجهة “الانفجار”، الذي تناساه البعض قبل أن تجفّ دماء شهدائه.
الكلّ خاسر!
على جري العادة، يتقاذف الأفرقاء كرة المسؤولية عن “عرقلة” ملفّ تأليف الحكومة. “الثنائي الشيعي” يتّهم الرئيس المكلّف، ومن خلفه، بـ “الاستئثار” عبر فرض الشروط عليه، والرئيس المكلّف يقول إنّه أتى على أساس مهمّةٍ واضحةٍ بتشكيل حكومة اختصاصيّين، وأنّ أيّ “استثناء” سيوقعه في “الفخ” الذي وقع فيه قبله حسّان دياب.
لكن، على الهامش، يبدو “نافراً” لكثيرين أن تستوجب حقيبة “الماليّة” كلّ هذه الضجّة “المفرطة”، وصولاً إلى حدّ قبول “تطيير” المبادرة الفرنسية، التي يتّفق الجميع على أنّها “الفرصة الأخيرة”، وإلا الويل والثبور وعظائم الأمور، كرمى “لعيونها”، بمُعزَلٍ عن “صحّة” ما يُحكى عن “أعراف” لا تزال مثيرة للجدل، علماً أنّ خبراء قانونيّين يدحضون فكرة “الميثاقية” الناجمة عن “التوقيع الثالث”، خصوصاً أنّ بعض المراسيم يمكن أن تصبح نافذة من دون توقيع رئيس الجمهورية حتّى.
ولعلّ ما يعزّز هذا التساؤل ما تؤكّده أوساطٌ سياسيّة على أنّ “تضييع” المبادرة الفرنسية سيكون خسارةً للجميع من دون استثناء، لأنّ البلد ككلّ سيتضرّر من سقوطها، وأنّ “الحصار” الذي شكا البعض منه إبان حكومة حسّان دياب لن يكون شيئاً مقارنةً بما سيحصل. لكنّها تحذر من أنّ الخسارة ستلحق بـ “حزب الله” أيضاً، الذي يخاطر بفقدان “الحصانة” الأوروبية شبه الوحيدة المتبقية له، من البوابة الفرنسية.
استخفاف بالمشكل!
بمُعزَلٍ عن كلّ ذلك، ثمّة من يعتبر أنّ المعركة التي يخوضها “الثنائي الشيعي” على حقيبة “المال” تستند إلى “بحثه عن انتصار”، فهو يعتبر نفسه مُحاصَراً، وبالتالي ليس مستعدّاً للتنازل عن أيّ من “أوراق قوته” في الوقت الحالي، مهما كان الثمن، ويشدّد على أنّ التخلّي عن “المال”، إن كان وارداً في السابق، فهو لا يمكن أن يكون كذلك اليوم، بعد العقوبات التي فُرِضت على وزير مال سابق هو علي حسن خليل، وما تعنيه مثل هذه الخطوة.
أما الحديث عمّا إذا كانت “حقيبة المال تستحقّ” كلّ هذه الضجة، وذهاب البعض إلى حدّ التساؤل عن “مغارة علي بابا” التي قد تكون مخبَّأة في هذه الوزارة، ويخشى “الثنائي” كشفها، فلا يجد آذاناً صاغية لدى المحسوبين عليه والمقرّبين منه، ممّن يعتبرون تصوير المشكلة على أنّها على حقيبة المال حصراً، “استخفاف بالعقول”، و”تصغير” من حجم المشكلة، وبالتالي الأزمة الحقيقية.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ المسألة هي بالدرجة الأولى “قصّة مبدأ”، وأنّ المعركة التي يخوضها “الثنائي” ليست على حقيبة المال بحدّ نفسها، بقدر ما هي على رفضه “انتزاع” حقّه بتسمية وزرائه، كما يقول، وهو الذي أبدى رفضه منذ اليوم الأول لفكرة “الاختصاصيّين المستقلّين” الذين لا يعتقد أصلاً بوجودهم. ويخشى “الثنائي” من أن يكون خلف “المعمعة” الحاصلة اليوم، “انقلاب” ما، في استعادةٍ لتجارب سابقة أدّت إلى ما لا تُحمَد عقباه.
ليست المشكلة إذاً مشكلة حقيبة “المال”، بقدر ما هي مشكلة “مبدأ” يصرّ عليه “الثنائيّ”، وفق ما تقول أوساطه، ملمّحةً إلى أنّ “حلحلة” هذه العقدة قد تؤدي أصلاً إلى بروز عقدٍ “مخفيّة” أخرى، كما كان يحصل دائماً. لكن، أبعد من “المال”، وأبعد من معادلة “لا غالب ولا مغلوب” الشهيرة، ثمّة من يسأل، هل يدرك المعنيّون ما هو “البديل” إذا ما أصرّوا على مواقفهم؟!