على رغم انقضاء كل المهل ومحاولة تفريغ المبادرة الماكرونية من مضمونها لمصلحة الاسلوب اللبناني المحاصصتي الذي اثبت فشله حكوميا واسقط الدولة في المحظور، لم يصدر اي نعي رسمي لهذه المبادرة المفترض انها انقاذية، اذا ما تبقى فيها من سبيل للانقاذ. فالمشاورات لم تتوقف وكذلك الاتصالات التي اعادت تحريكها مبادرة الرئيس سعد الحريري بعدما دخلت في كوما على مدى اسبوع، بفعل شروط الثنائي الشيعي الذي تمكن من انتزاع حقيبة المال للشيعة ولم يلاق حتى الساعة تنازل الحريري الا بمزيد من التعنت والشروط فاتحا شهية حلفائه على الحصص والتسميات، ما اوحى ان امر العمليات الاقليمي صدر بعدم تشكيل الحكومة راهنا.
وفي حين تؤكد مصادر دبلوماسية لـ”المركزية” ان ايران تستخدم المبادرة الفرنسية وتحديدا تشكيل حكومة لبنان في اطار صراعها مع الولايات المتحدة الاميركية من باب الضغط على الفرنسيين لحمل الاتحاد الاوروبي على مواجهة عقوبات واشنطن المفروضة عليها والاصطفاف الى جانب طهران في المواجهة عبر كسر طوق الحصار، وتاليا لا مصلحة ايرانية بالتنازل عن الورقة الحكومية اللبنانية اليوم، توضح اوساط سياسية لبنانية ان الثنائي الشيعي يؤدي دوره كمنفذ رغبات الجمهورية الاسلامية بامتياز في لبنان، ذلك ان، عوض ان يرضى بتجرع الحريري “كأس السم” لمصلحة الوطن ويقبل بمبادرته لانقاذ الحكومة، حاول في العلن ومن باب رئاسة المجلس النيابي تعميم اجواء ايجابية وحرّك في الخفاء حلفاءه لفرض مطالبهم والشروط، فيما التزم حزب الله الصمت المطبق.
ازاء هذا الواقع، تقول الاوساط لـ”المركزية” ان اشكالية الداخل الحكومية عالقة في مربع بالغ التعقيد. الحريري قدم آخر ما لديه مغامرا بكل رصيده الشعبي وبعلاقته مع رؤساء الحكومات وبما تبقى له من صلات بالمملكة العربية السعودية التي اطل ملكها منذ يومين مهاجما حزب الله امام المجتمع الدولي، فهل يكون في وارد الاندفاع اكثر نحو الانتحار السياسي بالرضوخ لمزيد من شروط الثنائي المراهن على وطنيته ومحاولاته الانقاذية للبنان لانتزاع مكاسب حكومية اضافية. وفيما لو قطع الحريري طريق التنازلات ليقينه ان لم يعد لديه ما يقدمه، هل يقبل الحزب والحركة بأن يسمي الرئيس المكلف الوزراء الشيعة، وقد انضم اليه بهذا المطلب كثر بين الامس واليوم؟
لا الحريري يمكن ان يقدم تنازلات اضافية ولا المبادرة الفرنسية تحتمل اهتراء اضافيا بعدما جُوفت من مضمونها وضربت بعصا “الثنائي” الى درجة حاجتها تكرارا للإنعاش الذي مدها به الحريري فأنقذ ماكرون على امل رد الجميل يوما ما. وحتى لو تشكلت الحكومة بالتعديلات التي اقحمت في المبادرة بعدما سقطت مهلها الزمنية وتبدلت مواصفاتها وازيلت وحدة المعايير منها، تختم الاوساط، فإن الانقاذ لن يكون للبنان على الارجح بل للمبادرة في حد ذاتها، فالخارج الذي يراقب خطوات التشكيل ومراحله بتأن ويعلن مواقفه في شكل شبه يومي وفي شكل خاص الولايات المتحدة لن يمحض على الارجح ثقته لحكومة صممها واخرجها حزب الله، وفرضت ايران شروطها فيها. المبادرة الفرنسية قد تُنقذ، لكن من ينقذ لبنان؟