لو كان انفجار المخزن حادثاً عادياً لما كان أُحيط بهذا الكتمان الشديد. إحاطته بهذه السرية تكشف أنّه يخفي أسراراً لا يجوز للآخرين ان يطّلعوا عليها. ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الأمر، وليست المرّة الأولى التي يتولّى فيها “حزب الله” مسؤولية التعاطي الشامل مع أحداث كهذه. بعد ذلك يأتي دور الأجهزة الأمنية الرسمية للتغطية على ما يعلنه أو ما لا يعلنه “حزب الله”. هناك خطوط حمر لا يمكن تخطيها.
سلام إسرائيل وخطر إيران
خطورة انفجار عين قانا على “حزب الله” أنّه أتى في ظل الهجوم الشامل الذي يتعرّض له على أكثر من جبهة. فهو يواجه العقوبات الأميركية المتشدّدة أكثر وأكثر عليه وعلى النظام الإيراني وعلى النظام السوري. ويواجه انهيار منظومته السياسية في لبنان بعد سقوط حكومة الرئيس حسّان دياب واضطراره القبول بتسمية السفير مصطفى أديب رئيساً مكلّفاً تشكيل الحكومة. وهو يواجه اتهامات كثيرة تتعلّق بعلاقته بباخرة نيترات الأمونيوم والشحنة التي انفجرت في 4 آب في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، حتى ولو كانت هذه الإتّهامات غير مبنيّة على أسس ووقائع ثابتة ودامغة. وهو يواجه أيضاً تحريك ملفّات دولية ضدّه، من ملفّ تفجير بورغاس في بلغاريا في العام 2012 إلى أكثر من ملف يتعلّق بتهريب كميات من نيترات الأمونيوم وتوزيعها في أكثر من دولة أوروبية. وهو لذلك وافق على المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس إيمانويل ماكرون ثم وضع العصا في دولاب التأليف بعدما عاد إلى التمسّك بوزارة المالية وبتسمية الوزراء الشيعة في الحكومة.
هذا التشدّد الذي يبديه “الحزب” يعبّر عن قلق من المرحلة الآتية أكثر مما يعبّر عن نقاط القوّة لديه. كأنّه تحوّل إلى الدفاع عن نفسه بينما كان قبل عام أو أكثر يعتبر أنّه حقّق الإنتصار في سوريا واليمن والعراق وأنّ محور الممانعة هو الذي يكتب مصير المنطقة ويحدّد مسار الأحداث. ولكنّه صحا فجأة ليكتشف أن هذا المحور يفقد الكثير من الأوراق بينما سُجِّلت اختراقات في المقابل على جبهة المصالحات العربية الإسرائيلية من الإمارات العربية المتحدة إلى البحرين والسودان وسلطنة عمان، الأمر الذي قد يصبّ في مصلحة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب لولاية ثانية وبقائه بالتالي في البيت الأبيض أربعة أعوام جديدة لن تكون سهلة على “حزب الله” وعلى إيران. وربما من تداعيات سياسة “حزب الله” ومحور الممانعة السلبية عليه أنّه جعل العداء له ولإيران يأتي قبل العداء لإسرائيل. حصل ذلك منذ انتصار الثورة الإسلامية الشيعية في إيران ومنذ تأسيس “حزب الله” وبناء استراتيجية تصدير الثورة. منذ تلك اللحظة شعرت دول الخليج العربي مع نظام صدام حسين في العراق بالخطر الآتي من طهران. بينما هذه الدول منذ قيام الكيان الإسرائيلي لم تشعر أن مصيرها مهدّد أو أنّ هذا الكيان يريد أن يحتلّها أو يدمّرها أو يغيّر أنظمتها. على مدى أربعين عاماً بدا كأنّ الخطر يأتي من إيران التي تهدّد دائماً بالحرب وترسل الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخّخة إلى الإمارات والسعودية وليس من إسرائيل التي أعلنت في المقابل وبشكل دائم رغبتها بالإنفتاح والسلام والأمن.