يستعان تعليقاً على فشل عملية تشكيل الحكومة، بما يقوله الصوفيون إنها مرحلة “الكشف والتجلي”. بمعنى ظهور الباطن ما بعد الظاهر.
وبشكل أوضح، أظهر اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة موقف الثنائي الشيعي ومن خلفه إيران بأنهم المعرقلون للمبادرة الفرنسية.
ما جرى هو خطأ بحق الفرنسيين، الذين بذلوا جهداً كبيراً تبدّى أن إيران قد أفشلته، وأظهرت إيران أنها تتعاطى مع فرنسا للوصول إلى التفاوض مع الأميركيين.
الرد على الإهانة
هنا لا بد من انتظار رد الفعل الفرنسي على ما جرى، خصوصاً في ظل المزيد من الضغوط الأميركية على باريس لوقف التسهيل للإيرانيين وحزب الله.
ولا يمكن لفرنسا أن لا تردّ على الإهانة التي تعرضت لها من قبل الخليلين وبرضى العونيين، لأنه على الرغم من ادعاء عون تمسكه بالمبادرة الفرنسية وحرصه عليها، إلا أنه كان يفرض الشروط على مصطفى أديب حول ضرورة التشاور مع القوى السياسية ليتمكن من تشكيل حكومته.
كان لبنان يعيش نزاعاً سياسياً كبيراً يرتبط بالمنازعة على موارده من نفط وغاز. أسئلة كثيرة ستطرح، هل يمكن اعتبار أن شركة توتال الفرنسية ستعمل على التنقيب عن النفط في البلوك رقم 9 قبل الوصول إلى تفاهم سياسي كبير؟ هذا أمر شبه مستحيل.
الخطوات الفرنسية ستكون تصعيدية.
وهذا التصعيد سيكون شكلاً جديداً من البقاء الفرنسي في لبنان والاستمرار في مبادرات متعددة، لأن فرنسا لم تأت لترحل بسبب خلاف على تشكيلة حكومية.
الغاز والنفط دُفنا مؤقتاً في لبنان، كما حصل مع البلوك رقم 4 قبل أشهر. ولا يمكن الحديث عن اتفاقات وحلول قبل الوصول إلى تسوية سياسية كبرى.
“العهد” المنتهي
الخاسر الأكبر مما جرى هو عهد الرئيس ميشال عون، الذي ظهر بأنه لا يشكل ولا يؤلف ولا يشارك بقوة. بينما كان القرار محصوراً بين رؤساء الحكومة السابقين والثنائي الشيعي.
كان عون في مرتبة بالغة الصعوبة، فويله حزب الله والتحالف معه، وويله المبادرة الفرنسية والعلاقات الدولية، التي ستشكل آخر بارقة أمل لإنقاذ العهد، وويله أي عقوبات ستفرض على جبران باسيل.
ما جرى سيضغط على عون أكثر، وسيثبت أن العهد انتهى. إلا إذا ما قرر عون اتخاذ خطوة سياسية تمثل انقلاباً وتحولاً استراتيجياً في مواقفه.
لم تتشكل الحكومة لئلا تثبت وزارة المال للطائفة الشيعية، لأن ذلك كان سيتحول إلى تثبيت مشابه لتثبيت معادلة الجيش والشعب المقاومة.
ولكن حتماً بحال بقيت الظروف على حالها سيتمسك الحزب بما انتزعه في مفاوضات تشكيل الحكومة قبل الاعتذار، بالحصول على وزارة المال.
خطوة كانت من قبل سعد الحريري، على الرغم من خطورتها، خدمته، بما أن الحكومة لم تتشكل.
ظهر وفياً للمبادرة الفرنسية، ولصديقه ماكرون، ولم يكن في صورة المعطّل للحكومة والمبادرة الفرنسية.
بتنازله أحرج الحزب مع الفرنسيين.
أصبح لبنان منكشفاً تماماً في مواجهة أي ضغوط سياسية أو عقوبات ستأتي، وإذا ما كان حزب الله قادراً على تحمّل العقوبات وعدم السؤال عنها، إلا أن حلفاءه لن يتمكنوا من التحمل، وسيعملون على مراجعة حساباتهم الخاطئة، خصوصاً أنهم لن يجدوا من يحميهم من تلك العقوبات.
ومن كان يراهن على دور فرنسي في هذا المجال، سيصاب بالخيبة.
وهم سيكونون بلا مال ولا أب ولا جمال على ما يقول نجيب محفوظ في روايته بداية ونهاية.
لبنان دخل دوامة النار.