بعد اعتذار أديب وعلى رغم أنّه حصل بعد لقائه الخليلين اللذين تمسّكا بتسمية الوزراء من الطائفة الشيعية، حاول البعض رمي المسؤولية، على الرئيس المكلّف تارة، وتارة أخرى على رؤساء الحكومات السابقين. وما لم يقله الثنائي، قاله النائب طلال إرسلان في تغريدته ” نأسف لاعتذار مصطفى أديب وإجهاضه للمبادرة الفرنسية بسبب عدم ادارته الشخصية لملف الحكومة وتركها لمجموعة لا صفة دستورية وقانونية لهم بتأليف الحكومات… ان هذا التصرف لا يمت الى منطق المؤسسات ودورها في عملية التشكيل بصلة”. بصرف النظر عن هوية من يطالب بـ “منطق المؤسسات” الغائب عن أدائه في كلّ المحطات، بدا واضحًا أنّهم يريدون تصويب الأنظار باتجاه تبادل الإتهامات بالتعطيل بين فريقين، وبذلك لا يتحملون وحدهم أمام الرأي العام مسؤولية إجهاض التأليف.
السؤال علاما يراهن المعطّلون؟ هل فعلًا لا يريدون تأليف حكومة قبل معرفة نتائج الإنتخابات الأميركية؟ وهل البلد يحتمل إضاعة الفرص واستمرار الفراغ؟
النائب محمد الحجار في حديث لـ “لبنان 24″ رأى أنّ عدم تلقّف الثنائي الشيعي مبادرة الحريري، هو انعكاس واضح لرغبة إيران بعرقلة تأليف حكومة في لبنان، إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية ” واضح أنّ هذا الفريق، ولو أن أحد ركنَيه مغلوب على أمره، أراد أن يأخذ لبنان رهينة المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وزجّ البلد في الصراع القائم بين إيران والولايات المتحدة، وأراد من خلال تعطيل التأليف أن يحتفظ بالساحة اللبنانية كورقة في يده، إلى حين بلورة الصورة الأميركية. لا أتجنّى على أحد بقول ذلك، هناك تصاريح واضحة في هذا الشأن من مسؤولين إيرانيين، جاهروا خلالها بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية من ضمنها بيروت، فضلًا عن ما دار من مباحثات في موسكو بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بحيث طلب لافروف من نظيره أن تسهّل إيران تأليف حكومة في لبنان، بناءً على رغبة فرنسية لاقتها روسيا في ذلك،وكان جواب ظريف بأنّ إيران لا تتدخّل في هذا الشأن. وفي ذلك تناقض فاضح مع أقوالهم، بأنّ بيروت من ضمن عواصم أخرى خاضعة لسيطرتهم. وهذا دليل واضح وصريح، أنّ الإيراني لا يريد حلًّا في لبنان في هذا التوقيت، ويجعل من لبنان ساحةً في صراعاته وحساباته، وذلك من خلال لبنانيين منتسبين للمشروع الإيراني، يقبلون برهن بلدهم، ولا يأبهون لارتدادات ذلك، عبر إضاعتهم فرصة إنقاذ لا تتكرر”.
لبنان بلا حكومة حتّى إشعار آخر: هل نجحت إيران بتأخير التأليف إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية؟
كتبت نوال الأشقر:
كنا نفترض أنّ أحدًا من الأفرقاء السياسيين لن يجرؤ، أمام بيئته على الأقل، على تعطيل فرصة الإنقاذ الوحيدة المتاحة أمام لبنان المنهار. تمسّكنا بخشبة الخلاص الفرنسية، وأعتقدنا أن حكومة مصطفى أديب ستكون الأسرع تأليفًا في تاريخ الحكومات في لبنان. لم نكن لنصدّق أنّ من جعلوا من لبنان وشعبه على الدوام رهينة فسادهم وأجنداتهم وحساباتهم الإقليمية، سيواصلون النهج نفسه في تأليف الحكومات، إعتقدنا أنّهم سيُقلعون عن نهجهم المدمّر هذه المرّة، تحت وطأة المجاعة والفقر والهجرة، وسيغلّبون لمرة واحدة مصلحة البلاد والعباد على مصالهم الفئوية وصراعاتهم، فيسمحون بولادة حكومة إنقاذية، تتجاوز مسألة توزيع قالب الجبنة، وتقوم بمهمة واحدة، الإصلاحات، كعبارة ملطّفة لإيقاف عمليات سرقة المال العام، لأنّ البلد وصل إلى الإنهيار. لكن الواقعية التعطيلية لقيام الدولة، تمظهرت بشكل واضح، من دون أن يشعر المعطّلون بأيّ إحراج أمام مأساة الشعب اللبناني بكل فئاته ومذاهبه، فابتكر الثنائي الشيعي بدعة التوقيع الثالث، وبعد مبادرة الرئيس سعد الحريري التي وجدت حلًّا لتلك البدعة، تمسّكوا بالتسمية، فكان الإعتذار، وتبادل الإتهامات.
الحجار وردّا على سؤال عن مرحلة التكليف الثاني، وما إذا كانت ستستغرق وقتًا، من منطلق أنّ الدستور لم يحدد مهلة لذلك، اعتبر أنّ تجاوز الدستور أوصل البلد إلى هذه الحال “الدستور واضح بمواده التي تحدّد المسار بعد استقالة الحكومة، هذه المواد يفسّرها العهد على ذوقه، وكذلك قوى سياسية أخرى، تتجاوزها في محاولة لتكريس أعراف جديدة”. أضاف الحجار “طريقة التعاطي مع مبادرة الرئيس ماكرون، أظهرت أنّ البعض لا يزال يعيش حالة إنكار، ولا يريد أن يفهم أن الأمور تغيّرت في البلد، بعد انتفاضة 17 تشرين، وبعد الإنهيار الإقتصادي الإجتماعي المالي، ولا يمكن التعامل وفق الأداء السابق، حيث كانت تحصل تجاوزات للدستور، البعض سكت عنها، في محاولة لتدوير الزاويا، على قاعدة إفساح المجال لوضع البلد على سكّة الإنقاذ، والبعض الآخر أراد من خلالها تكريس إعراف، بخلاف الطائف والدستور اللبناني”.
يُقال أنّ المبادرة الفرنسية مستمرة، ولكن كيف لها أن تستمر وتثمر في ظلّ الشروط نفسها؟ ما الذي سيتغير بين التكليف الأول والثاني؟ في الوقت الضائع من يتحمل جنون الدولار وفصول المجاعة؟ أسئلة برسم من عطّل فرصة تأليف حكومة إنقاذية، تفتح الباب أمام المساعدات الدولية من سيدر إلى مؤتمر دولي وعد الرئيس الفرنسي بتنظيمه، وتنقذ اللبنانيين من جهنّم الفاسدين.