لا شك في أن الاحتقان السياسي وإنسداد الأفق أمام الوصول الى حلول تساهم في إنقاذ لبنان سياسيا وإقتصاديا وماليا وإجتماعيا وإنسانيا، من شأنه أن يشكل أرضية خصبة لتحرك بعض الخلايا الارهابية النائمة التي غالبا ما تستفيد من التوتر السياسي لتنفيذ أجنداتها الأمنية، فكيف ببلد يواجه إنهيارا كاملا وشاملا في كل قطاعاته وصولا الى تهديد أبنائه بالفقر والجوع.
وبغض النظر على مدى إرتباط الاحداث الأمنية بالتوترات السياسية التي ترخي بثقلها على البلاد والعباد، فإن المجموعة الارهابية التي تم القضاء عليها في وادي خالد، كانت تعمل على إعادة تجربة تنظيم فتح الاسلام، حيث تشير المعلومات الأمنية الى أنها قسمت نفسها الى خلايا مرتبطة بقائد ميداني هو الارهابي خالد التلاوي الذي قتلته مخابرات الجيش اللبناني في سهل دنحي الواقع بين قضائي الضنية وزغرتا، وبمسؤول مباشر عن الخلايا هو السوري يوسف خلف (أبو وضاح) الذي داهمته القوة الضاربة في شعبة المعلومات قبل نحو شهر في بلدة خربة داوود العكارية ولم تعثر عليه وقُتل في مواجهات الأمس، وصولا الى أمير المجموعة وهو السوري محمد الحجار المقيم في المنزل الذي تحوّل الى مركز لتجمع العناصر الارهابية الهاربة من الملاحقات.
القصة بدأت من تفتيش تلك الخلايا التي خرج أفرادها من السجون في مراحل سابقة عن المال لشراء السلاح، حيث إعتمدوا على أعمال السرقة التي طالت سيارات ومنازل ومحلات تجارية وأسلاك كهربائية في عدد من الأقضية الشمالية وخصوصا الكورة التي يوجد في بعض بلداتها ممتلكات يتواجد أصحابها في بيروت أو خارج البلاد.
خلال إحدى عمليات السرقة في بلدة كفتون الكورانية، أوقف ثلاثة شبان من البلدة إحدى الخلايا التي كانت تستقل سيارة هوندا قديمة الصنع، فلم يتوان أفرادها وفي مقدمتهم خالد التلاوي عن قتل الشبان والهروب بين الأحراج.
لم يمض وقت كبير حتى تبين للأجهزة الأمنية أن من إرتكب جريمة كفتون، هي إحدى الخلايا الإرهابية التي كانت تجهز نفسها للقيام بعمليات أمنية مختلفة في مناطق لبنانية عدة، حيث بوشرت التحريات والاستقصاءات التي أفضت الى توقيف المدعو إيهاب شاهين في مخيم البداوي، قبل أن يتم معرفة مكان تواجد القائد الميداني للمجموعة الارهابية الذي كان يقود السيارة في كفتون خالد التلاوي المتواجد في منزل للمدعو عبدالرزاق الرز في جبل البداوي.
تم توقيف الرز الذي دل عناصر مخابرات الجيش الى منزله الخاص، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث واجه التلاوي عناصر المخابرات ورمى بينهم قنبلة يدوية ثم أطلق النار عليهم فسقط أربعة شهداء منهم، وفر الرز وكذلك التلاوي ومعهما أحمد الشامي الملقب بـ”أنس” الى الأحراج بين قضائي الضنية وزغرتا.
ضرب الجيش اللبناني طوقا أمنيا في مناطق الضنية وزغرتا، وسارعت مديرية المخابرات الى توقيف عبدالرزاق الرز، وقتل التلاوي الذي حاول إطلاق النار على الدورية، وإستمرت عمليات البحث والتمشيط الى أن أوقفت المخابرات أحمد الشامي يوم الجمعة الفائت.
بالتزامن كانت القوة الضاربة في شعبة المعلومات تنشط في عمليات الرصد والمتابعة التي بدأت بعد جريمة كفتون مباشرة، وتبين لها أن ثمة خلايا عنقودية بدأت تستشعر الخطر لا سيما بعد مقتل التلاوي وتوقيف الرز والشامي، وأن كثيرا من أفرادها بدأ يلجأ الى وادي خالد حيث تم تأمين منزل لهم عبر المدعو أحمد . ح، وتم تهريب كميات من السلاح إليه بوسائل مختلفة ومن الجانبين اللبناني والسوري، وجرى إعادة تنظيم الخلايا بقيادة الفلسطيني محمد محمود عزام المعروف بـ”محمد أبو العز”، وبإمرة السوري محمد الحجار.
وبعد أيام من العمل المضني لشعبة المعلومات نجحت صباح السبت في توقيف أحد المشتبه بهم من منطقة وادي خالد والذي شكل كنزا من المعلومات حيث كشف عن مكان تواجد الارهابيين، وهم من اللبنانيين ومعهم بعض الفلسطينيين والسوريين، فسارعت القوة الضاربة الى المنطقة للقيام بعملية إستباقية مباغتة، وحصلت المواجهات العسكرية بمؤازرة من الجيش اللبناني وإستمرت لساعات وأسفرت عن مقتل تسعة إرهابيين عرف منهم: أمير المجموعة محمد الحجار، قائدها الميداني محمد أبو العز، يوسف خلف (سوري ملقب بـ أبو وضاح)، مالك . م، عبدالكريم . ف، عبدالمجيد .ح، خضر. م، محمد . ح، وهم من اللبنانيين والسوريين، إضافة الى شخصيين مشوهين لم تعرف هويتيهما، كما تم توقيف بعض الأشخاص، وفر آخرون الى جهة مجهولة وتعمل وحدات الجيش اللبناني منذ ليل أمس على تمشيط المنطقة بحثا عنهم.
اللافت هو تزامن إنتهاء العملية الأمنية في وادي خالد، مع قيام الارهابي عمر بريص مع شخص مجهول بمحاولة إقتحام مركز الجيش اللبناني في عرمان، حيث تشير المعلومات الى أن بريص هو إنغماسي من المنية، كان يريد قتل العسكريين المولجين بحماية المركز ومن ثم إقتحامه ورمي القنابل وإطلاق النار ومن ثم تفجير نفسه بحزام ناسف لقتل أكبر عدد ممكن من العسكريين، قبل أن ينجح أحد الجنود في قتله، فيما هرب الشخص الآخر الذي كان معه على متن دراجة نارية في البساتين.
وقد تركت هذه العملية الأمنية سلسلة تساؤلات لجهة: هل يرتبط بريص بمجموعة وادي خالد؟، وهل كان مع أفرادها وتمكن من الهرب وعاد أدراجه الى عرمان لينفذ العملية ويثأر لرفاقه الارهابيين بقتل عدد من العسكريين؟، أم أن بريص ينتمي الى خلية إرهابية أخرى وقد فتح مقتله الباب أمام تحريات وإستقصاءات جديدة للأجهزة الأمنية للكشف عنها.