الاطلالة الاولى كانت على شاسة MTV قبل اعتذار اديب، حيث قدم توصيفا دقيقا للمرحلة بدليل ان ما قاله لجهة ان “هناك مباحثات ستجري الليلة على الصعيد الحكومي وإلا فإنّ الرئيس المكلّف يتجه إلى الاعتذار”حصل بدقة.
الاطلالة الثانية بعد المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي، والاهمية في هذه الاطلالة تكمن في أنه رسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة وقدم قراءة سياسية لحقبة مضت وحدد موقفه من الاتي للايام انطلاقا من مسؤوليته الوطنية التي يبدو أن كثراً من القوى السياسية اصبحوا عاجزين عن تجسيدها، في حين أن رئيس الحكومة الأسبق يثبت مرة جديدة ان المصلحة الوطنية عنده تتفوق على كل ما عداها وهو انطلاقا من ذلك أعلن ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، مع الاشارة هنا إلى أن اصرار الاخير على رفض التكليف او تسمية شخصية سنية للتاليف، قد يؤدي إلى البناء لاحقا على الشيء مقتضاه.
ان منهجية الخريطة التي رسمها ميقاتي أمس برشاقة سياسية استخلصت عبرها، وفق بعض المتابعين، من “كتاب الـ26 يوما” من تكليف السفير اديب تأليف الحكومة، خاصة وأن تلك الايام تختصر المبادرة الفرنسية بجزئها الاول إذا جاز التعبير، فالرئيس ميقاتي أشار إلى أهمية أن تتألف الحكومة المرتقبة من 20 وزيرا وليس من 14، مستفيدا من الوزراء الستة ليمثلوا “الجزء المسيس” في مجلس الوزراء عندما يجتمع، فهو يعلم انه لا يمكن لأي خطة اصلاحية ان تنجح بمعزل عن السياسة التي كانت سببا مباشرا للسقوط الدرامي للتجربة الاديبية.
ولما كانت المشكلة التي اعترت التأليف في ظاهرها “مالي”، فإن الرئيس ميقاتي قدم مقاربة مرنة سلم من خلالها بحق “كل الطوائف بما فيها الطائفة الشيعية” تسلم وزارة المالية ، عطفا على رسائله الايجابية تجاه بعبدا فهو بعد مشاركته في الاستشارات النيابية الملزمة التي انتهت الى تكليف اديب بداية الشهر الجاري، دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليكون “بي الكل”، بالتوازي مع تشديده على الاستمرار في التمسك بالمبادرة الفرنسية .
وسط ما تقدم، يمكن القول إن الرئيس ميقاتي يتعاطى مع المحددات الراهنة من ضمن الحوار فهو قدم مقاربة سياسية شاملة تتضمن تشخصيا لمواطئ الازمة وطرق المعالجة اخذا بعين الاعتبار عوامل التعقيد الداخلية والخارجية وهو المدرك بما يملكه من معطيات ومعلومات ان البلد يعيش وضعا صعبا جدا سواء بما يتعلق بالاشتباك الدولي – الاقليمي وبالوضع الاقتصادي المالي الصعب الذي يعاني منه اللبنانيون ويدرك أيضاً ان لبنان قد يكون دخل في فراغ ربما يمتد إلى ما بعد 3 تشرين الثاني، لكنه في الوقت عينه يرفض التسليم بهذا الواقع المر ويطرح عروضا وافكاراً تستدعي من القوى السياسية كافة تقديم التنازلات المتبادلة، والعمل على العودة إلى النأي بلبنان عن الصراعات المندلعة في الاقليم خاصة وان ماكرون كان من الداعين إلى ذلك في زيارته الاولى للبنان بعد 4 آب الماضي.